فكيف بعد هذا تسوي بين قيمة هذا الإنسان أبي العجائب وبين قيم النبات والحيوان، وتريد أن تسلكه في سلك الفناء المطلق الذي يأتي على أجسامها وأرواحها بدون مآل أسمى ومصير أكمل؟!
وكيف تريد أن تضرب عليه ما ضربته عليها من الأحكام المنحطة وتحشر أفراده في مليارات أفراد الحيوان والحشرات التي تعيش على العشب والجيف والروث والعفونات؟!
إني لأستعرض تنوع حياة الأمم والأفراد وأتصفح الوجوه والنفوس، وأسمع حديث الأطفال والعجائز والنساك والفتاك والفقراء والأغنياء والعلماء والجهلاء والذكور والإناث. . . فأجدني بعد هذا الاستعراض في دوار من الفكر!
وإني لأخرج بعد هذا الاستعراض وأنا أشعر كان لابد أيضاً في الأرض مما نسميه الشر والضلال ليدوم ظهور أسرار التكوين!
إن الإنسان خلق ليكون أشبه بمِجْهَزٍ تمر من خلاله الطبيعة الأرضية بخصائصها التي كانت (غَيْباً) مستوراً قبل ظهور هذا النوع. فكل شيء في الطبيعة الأرضية كان لابد أن يمر من حواس هذا النوع وفكره ليأخذ حدوده ومميزاته ويرمز إليه بكلمة بيانية يضعها خليفة الله في الأرض. . .
وإذا صح ما أثبته علم تحليل ضوء العناصر من أن العناصر التي في النجوم والكواكب هي بعينها العناصر التي في الأرض كان في هذا زيادة في النظر لقيمة الإنسان كمترجم أيضاً ومحدد لعناصر الطبيعة في غير الأرض. . .
إن شئت فقل إن الإنسان آلة في يد الخالق يتمم بها التنويع والتفريع والتركيب في خلق المادة الميتة الجامدة وتصويرها وصقلها وتزويقها وتوشيعها حتى تصل إلى الدقة المتناهية في تركيب تروس الآلات ومساميرها الصغيرة، وإلى الزركشة والنمنمة و (المونوكير) في ثياب المرأة وأظافيرها! وعندئذ يكون الإنسان امتداداً لعوامل التكوين والإنشاء والتعمير التي في يد الله. . . يكون إزميلاً في يد الفنان الأعظم، وريشة بين إصبعيه يشكل بهما المادة أشكالاً ويملؤها بهما تزاويق وتهاويل!
وإن شئت فقل: إنه (مِجْهر) يلتقط آثار الصنع العظيم في المواد (الخام) فتتساقط على عينه أنوارها وظلماتها وعلى سمعه نغماتها وأصواتها، وعلى خياشيمه عطورها ونفحاتها، وعلى