ملامسه نعوماتها وخشوناتها، ويقع على إحساسه العام ثقل المادة وصعق الكهرباء وشد الجاذبية، ويمر على فكره معاني الوجود ومعاني العدم. . . . ثم يترجم كل هذه الكلمات الصامتة بكلمات ناطقة من بيانه الذي اختصه به بارئ الطبيعة. . .
إن رب الطبيعة أراد أن يترجم هذا الطين الذي سواه بيديه ونفخ فيه من روحه بعض كلماته الصامتة في أسرار التكوين والخلقة، وكانت قبل الإنسان غيباً في السموات والأرض لا يعلمها أحد غيره حتى الملائكة
ولذلك كان العلم بأسرار الطبيعة أشرف عبادات هذا النوع ما دام متوجهاً فيه إلى رب الحياة ومتعرفاً إليه به. أما الملائكة فعبادتهم طاعة عمياء ليس لهم على غيرها طاقة
واقرأ إن شئت بعد هذا قصة خلق الإنسان في القرآن لترى منها العجب الذي رأيناه:(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيه من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون. وعَلْم آدمَ الأسماءَ كلها ثم عرضهم على الملائكة. فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانَك لا علمَ لنا إلا ما علَّمتَنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أْنِبئْهُم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلمُ غَيْبَ السموات والأرض وأعلمُ ما تُبدُون وما كنتم تكتمون؟)
وأرجو أن تقف طويلاً أمام قوله تعالى:(إني أعلم ما لا تعلمون) رداً على سؤال الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. . .) لتعلم أن الله نظر نظرة سماح واغتفار لما تستلزمه حياة الإنسان في مجموعه بالجسم الحيواني من بعض الآثام والشرور، إذ علم ما وراء فتوح الإنسان في (غيب السموات والأرض) من آثار علمية ترجح على ما يرتكبه من شرور. . .
فلا يهولنك ما تراه من الجريمة والفساد والأوباء والنكبات التي تحتاج حياة لإنسان. . . فإن الذي خلق هذا النوع متيقظ له دائم الرعاية عليه يسوقه في طريق مرسوم حتى يبلغ غايته برغم كل ما نسميه الشر والفساد لأن الشر والفساد والباطل ما خلقه إلا للحق والصلاح. . . فلولا الأمراض ما ظهرت علوم الطب التي كشفت لنا عن ملايين من عوالم الجراثيم. . . وكانت حياتها مستوردة في (غيب السموات والأرض). . . ولولا الحروب، والجرائم ما ظهرت أدوات الانتقال السريع، واختزال المسافات وما تنافس الناس على