من جميع أقطار الوطن العربي. . . فإن هذه الحياة الحرة القوية الصريحة الطبيعية سوف تترك خمائرها وآثارها في مقاومة الضعف والخناثة والبعد عن منطق الطبيعة وأسلوب الفطرة
وكما أن حياة البحر جزء من تكوين الإنجليزي فكذلك يجب أن تكون حياة البادية جزءاً من تكوين العربي حيثما كان. فالإنجليز يعتزون بحياة البحر وبالأخلاق المكتسبة منه كالصبر ومواجهة الصعاب والاعتداد بالنفس وحب الرحلة والكشف. . . فيجعلون الخدمة في الأسطول أمنية الأماني أمام الشباب
وكذلك يجب أن يعتز العربي بحياة البادية والخدمة في (أسطول الصحراء)؛ فإنها تترك نفس الآثار والنتائج التي تتركها خدمة البحر في النفس
إن العربي بقوامه الممشوق الذي ليس فيه ترهل وفضول، وبمجموعته العصبية القوية، وبملامحه الحادة ومنطقه السريع المحكم المبين، وبشهامته وكرمه وشجاعته وتقاليد فروسيته، وشاعريته - ثروةٌ عظيمة تغنى الناس بكثير من الأخلاق التي يفتقدونها الآن فلا يجدونها. وقد صارت له صورة رمزية شعرية في أذهان الأمم يحيد بها إطار من هذه الأخلاق
وهو إن كان في باديته معدوداً من الإنسان البُدائي فإن اختياره هذه الحياة وتجميلها بصفات ربما لا يحظى بشرفها غيره من سكان العالم المتحضر، قد جعل الأمم تنظر إليه نظرة خاصة غير النظرة التي تأخذون بها من هم في مستواه الاجتماعي والاقتصادي في البوادي والحواضر
في قلب الجزيرة الآن دولة هي معجزة من معجزات هذه الأمة التي طالما ملأت التاريخ بالمعجزات
دولة هي في سلامها وأمنها حديث صامت من أحاديث القدر يرسله في القرن العشرين درساً لمن ملأوا الدنيا قوة ودساتير وشرائع لكفالة النظام والسلام، ومع ذلك لا يزالون مطاردين من الهدم والفوضى والإجرام
دولة أقامها ووطدها رجل لا يعرف تزويق الكلام ولا مضغ الأحاديث، إنما عرف الطبيعة والفطرة واستمد من أحكام كتابهما وميراث رسولهما. . . فأقام دولة الأحلام التي زعموا أن