ورأى رجلا الشريعة هذا التخاذل فاندهشا وخافا. ثم تقدما من الكومة لا ليلتقطا حجراً بل لينظرا ما خطه المعلم على الأرض بعد أن رأيا ما كان لهذه الكتابة من أثر عظيم
فرأى أحدهما سطراً أنه في أحد الأيام اغتصب جزءاً من حقل جاره إذ نقل الحد الفاصل بينهما، ورأى الثاني أنه استولى على جزء كبير من أموال قاصر كان وصياً عليها
فانحنى الرجلان عندئذ أمام المعلم متظاهرين بالشفقة والحنان وانصرفا بوقار
وبعد أن خرج الرجلان اللذان كانا بين قضائها، انتصبت الزانية على ركبتها لأن الشجاعة أخذت تعاودها. إنها لن تفهم جليّاً ما جرى، ولكنها أحست بأنها ستنجو، أو أنها قد نجت بالفعل. فشعرت بلذة الحياة تفيض على نفسها غبطة وسعادة، وتمشت في جسمها رعشة عجيبة فأحست بميل إلى الرقص
ولكن الخطر لم يكن قد زال تما لأن بعض الحاضرين تهافتوا لينفذوا فيها الحكم. على أنهم لم يلبثوا أن تراجعوا الواحد تلو الآخر بعد أن ألقوا نظرة الأرض، وكانوا، بدلاً من أن يلتقطوا الحجارة، يولون الأدبار وقد علت وجوههم صفرة الوجل وسرت في أجسامهم رعدته، ثم يمعنون في الهرب، وقد حولوا أنظارهم وخفضوا رؤوسهم
وعندما ما لم يبق في فناء الهيكل أحد انتصبت الزانية واقفة قد استعادت عيناها لمعانهما كما استردت وجنتاها الشاحبتان لونهما الوردي. . . وظلت حيناً جامدة لا تحرك ساكناً. وكان فرحها بالحياة يختلط بلذة رؤيتها أعداءها ينصرفون مذعورين ذليلين. فانتشت بحلاوة الانتقام وأحست برغبة ملحه في الرقص في هذا المكان المرذول وأمام الحجارة التي كانت ستنقض عليها فتسحقها. فاستقامت في وقفة المستعدة للرقص، وكأنما فتنها الموقف فطفقت تضحك
ونظر إليها المعلم المجهول سائلاً:(أين قضاتك؟ ألم يحكم عليك أحد؟)
فأجابته:(لم يحكم أحد يا سيد)
وبينما كانت ترد عليه كانت تقول في نفسها إنها لا تستطيع كبح جماح سرورها الذي كان يدفع بها إلى الرقص
ولكن المعلم ظل ينظر إليها
كان يرى تلك الغبطة الحيوانية الجامحة التي استولت عليها، ويلاحظ أنها لا تشعر بأي