الممدود وهو النجم الذي تضوَّأ فأفل - من وهج نوره - كل نجم سواه. . . واختِصرت الدنيا العريضة التي وسعتها، وصارت حجرة. . . حجرة بسيطة في مستشفى المجانين لا تليق أبداً بـ (فاني) العظيمة!. . .
وقرأ الفنان العظيم (فرنسيس جويرلاند) خَبَرَ ما أصاب (فاني) غانية فرنسا، فلم يلفته النبأ بَدْءَ الأمر، ولكن الصورة المنشورة أرجعت عقله - حين توضَّحها - إلى الوراء بعيداً بعيداً. . . حتى عثر في طواياه على ذكرى سحيقة. . . وذكرى تلك الليلة. . . . . . وحين عرف أن (فاني) الحسناء لم تكن سوى تلك الفتاة التي أطعمته وأدفأته وحنت عليه حنو الأم على وليدها والتي ذهبت عنه فلم يرها ولم يسمع بها، والتي جَدَّ في البحث عنها فلم يجدها حتى أيس منها، والتي كانت تصحو ذكراها في زوايا قلبه فيردِّد شكرها في أعماقه ويتمنى لو يراها. . . حين عرف كل ذلك آسفتْه هذه النهاية المفجعة لهذه الغانية الطيبة القلب. . . ثم عجب لنفسه كيف جهل أن (فاني) التي لهجت بسيرتها كل شفة وشغلت بجمالها كل إنسان لم تكن سوى فتاته التي تركت له أثني عشر فرنكاً ومضت. . .
قال يحدث نفسه بعد أن رجع من غياهب الماضي الذي غَرِق فيه:
- إنه لا يحسن أن تنهي حياة (فاني) هكذا، وفاض فؤاده نحوها بحنان غزير. واعتزم أن يعمل من أجلها عملاً ما، ومع أنه حَمِدَ للقدر أن هيأ له أن يراها ليبثها شكره وامتنانه، وليرد لها جميلها الذي لا يستطيع أن ينساه، إلا أنه حزن وأسى وود لو كانت لقياهما في ظروف أحسن من هذه
ولم يكن الفنان النابه ثرياً إنما كان يحيا حياة وسطاً قوامها ما كان يربحه من فنه كمصور، فباع كل ما يملك ليستطيع أن يجد لها مكاناً خيراً من الذي هي فيه وجواً أرجى وأنقى. وعناية أتم وأكمل حيث تراعى وتعالج ويعني بحالتها النفسية، وحيث تقوم على أمرها ممرضة تحنو عليها وترعاها. . . وهناك تحسنت صحتها تسناً ظاهراً شجعه أن يحملها إلى بيته ليخدمها بنفسه. وليدخل على قلبها لوناً من المسرة والبهجة، سيكون له - بإذن الله - أثر في تقدم صحتها، ولكن الطبيب عارضه وأنكر عليه ونصحه قائلاً:
- ستعود بها إلينا ثانياً. . . أن لهذا المرض نوبات تعاودها حيناً بعد حين. وقد قضي عليها إحدى هذه النوبات