هذه هي ذنوبي التي خسرت من أجلها صداقات الأصدقاء وكسبت عداوات الرؤساء، وربحت خصومة الجاهلين، وعُددت بها من كبار المشاغبين. . .
لقد قارب الفجر، وانطفأت أنوار المدينة. . . لقد مرّ عليّ ساعتان وأنا أفكر، وكل شئ من حولي ساكن ميت، وكذلك حياتي!. . . إنها خالية منذ سنوات، ليس فيها شئ متحرك. . . فأنا أعيش عيش الحالمين، أرقب أبداً الحادث الذي يهز حياتي الساكنة، ويحرك مواهبي الخاملة، ويدفعني إلى العمل، ولكن انتظاري قد طال حتى كدت أيأس من الانتظار. . .
إنك تعزيني بما حصلت من شهرة وما نلت من مكانة، ولعل في ذلك تسلية لي لو كنت أحس به أو ألمسه، إنني لا أحس والله بهذه الشهرة، إنني كالمغني الأصم الأعمى، يطرب الناس فيصفقون له ويهتفون، ولكنه لا يسمع ولا يري، فينصرف حزيناً يحسب أنه خاب وأساء. . .
إن أهل بلدي ينكرون عليّ كل شئ حتى الأدب
لقد قرأت أمس مقالة سقطت إليّ عرضاً، فرأيت فيها مقالاً يخبط فيه صاحبه خبط عمياء، فيعد أدباء دمشق أو الذين يراهم هو أدباء، فيذكر فيهم كل موظف في وزارة المعارف، وكل تلميذ يدرس في أوربة، وكل مدرسي التاريخ والجغرافيا، ولكنه لا يذكر علي الطنطاوي ولا سعيد الأفغاني؛ أفسمعت أبلغ من هذا الجهل وهذا النكران؟
هذه حالنا في دمشق التي تحن إليها، وتحيي الليالي تفكر فيها، وتتراءى لك صورتها حيال الأفق وأنت قائم عند قنطرة الزمالك أو مرتق ذروة الهرم، وتساهر النجم تفكر فيها وتعد الأيام للوصول إليها، دمشق صارت كالهرة تأكل من حبها بنيها
لقد حمل إلىَّ البريد رسائل جمة ممن أعرف ومن لا أعرف يسألني أصحابها لم لا أكتب في الرسالة في هذه الأيام؟ فوجدت في هذه الرسائل عزاء، وشكرت لأصحابها، وتوهمت حين قرأتها أن في الدنيا من يفكر في، ويقرأ ما أكتب، ولكني لم أجب واحداً منهم، وبماذا أجيبهم؟ وكيف أقول لهم إن دمشق قد قتلت في نفسي روح الأدب؟
كيف أشكو دمشق التي أحبها؟ وكيف أذمها بعملها؟
ثلاثون سنة ما خرجت منها إلا بشيء واحد، هو أني رأيت الحياة كمائدة القمار، فمن الناس من يخسر ماله ويخرج ينفض كفه، ومنهم من يخرج مثقلاً بأموال غيره التي ربحها، ومنهم