الخفيفة اللطيفة المتطهرة حتى تصل عندئذ إلى ما تتوق إليه من الخلاص من هذا الوضع وهذا الشكل إلى سياحتها الجديدة في الكون. وإذا كان الماء هو أكثر ما في الأرض اليوم، والراديوم (مثلاً) هو أقل ما فيها، فالماء إذن هو الحلقة الأولى من حلقات الحياة المادية في الأرض والراديوم هو الحلقة الأخيرة بحسب ما نرى. . . أو قولي إن الأثير هو هذه الحلقة الأخيرة. . . ثم قولي إن ما بين الماء والأثير من الخلائق المادية إن هو إلا تشكلات وتطورات وتحولات تنزع بها المادة إلى الانطلاق. وقيسي على ذلك النفوس كما يقيسها الغجر، ولست أطلب منك ولا من نفسي أن نعرف ما يعرفون هم إذا نظروا إلى إنسان ماذا كان قبل أن يكون إنساناً، وماذا سيكون. فهم يدعون أنهم يعلمون هذا بالنظرة، ولست أستطيع أن أنكر عليهم قولهم ما دمت أرى في علماء المادة من ينظر إلى الحجرة فيقول كانت شجرة وستصبح بعد قرون فحمة. فلماذا نقبل كلام علماء المادة هؤلاء ولا نقبل كلام الغجر؟ ألأنهم غجر؟ نحن الذين دعوناهم غجراً، أما هم فيعتبرون أنفسهم أصحاب هذه الدنيا يذرعونها من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال لا يخضعون إلا لقوانين الطبيعة الخالدة، ولا تفسد أنفسهم غيرها من القوانين المصنوعة التي وضعتها العقول بحساب بعد أن نسيت أول قوانين الحساب وهو أنه لا بدء ولا نهاية، وبعد أن نسيت كذلك أن لكل حساب حساباً يعطله حتى بطل عمل الحساب وصار هذا البطلان هو أساس بغير حساب. . .
- على هذا الأساس أستطيع أن أستمع منك إلى كلام الغجر، فلا تحسب أني سأقتنع به، فدون ذلك تشمع عقلي وطيران منطقي وتفكيري، ودعني الآن أسألك على سبيل العبث والفكاهة لا أقل ولا أكثر: أي نفس كانت نفسي قبل هذه الحياة. . . وأي نفس ستكون؟
- أنت؟ لا أدري، ولكني أعرف واحداً كان إوزة وسيكون حماراً
- من هو؟
- مالك أنت وماله؟ وإنما قولي: كيف هو، فأقول لك إنه كلما اطمأن إلى الحياة تمكن منه البله، فهو يلعب في الأرض ويلعب في الماء ويحب كل شئ، ولكنه لا يكاد يعطى من نفسه شيئاً لأحد إلا أن يجد عنده لذة، وهو غر يصدق كل ما يحيط به، ومن سقاه شربة ماء استطاع أن يذبحه؛ وهو إلى جانب هذا رعديد خواف، لأنه يعرف أنه عاجز عن رد الأذى