من عيون الفضوليين؛ أفكانت تحسب أن أحداً من أهل الحي يعرفها حين يراها، أو يذكرها؟. . . ولكن فيها بقية من حسن الظن بالناس!
ومرت بها مواكب الأطفال في ثيابهم وزينتهم، يحملون في أيديهم طاقات الزهر، وينفح من أعطافهم عطر الربيع وريحانه؛ وتتابعت أسراب الفتيات في غلائلهن الموشاة وأزيائهن الفاتنة يتمايلن ضاحكات عابثات عبث الصبى والدلال؛ ومضت طائفة من الفتيان في آثارهن يغنون ويتطارحون أناشيد الهوى والشباب والأمل المنشود؛ وكان على الشاطئ فتيان يقرعان كأساً بكأس؛ وعلى المقعد القريب فتى وفتاة يتناجيان في همس؛ ومرت سيارة تتهادى وفيها اثنان ينشئان قصة حب. . .
ونضار جالسة على مقعدها وحدها، تسمع وترى وتذكر صوراً من ماضيها، وذكرت فتاها الذي كان، وذكرت أباها. . .
في مثل هذا اليوم. . . منذ عام. . . كانت وكان. . . وعادت إلى ماضيها، واستغرقت في حلم طويل. . .
ومر بها فتى، وتبادلا نظرتين، وأطرقت نضار من حياء وعادت إلى ذكريات ماضيها، وخطا الفتى إليها خطوة، وكانت على شفتيه ابتسامة. . . وفي عينيه نظرة تعبر عن معنى. . . وقال لها: أنت وحدك وأنا وحدي!. . .
وتضرمت وجنتاها حياءً وغضباً وسكتت؛ وعاد الفتى يتم حديثه. . . ونظرت إليه ثانية وهمت أن تتكلم، ثم أمسكت. . . فليقل ما يقول ثم يمضي لشأنه؛ ليس ينبغي لمثلها أن ترد على مثله. . . وخطا الفتى خطوة أخرى جلس على طرف المقعد؛ فجفلت الفتاة ونهضت وفي عينيها غضب وسخرية!. . .
واستيأس الفتى فمضى لشأنه، وعادت الفتاة لشأنها. . . وتعاقبت على عينيها صور. . . وترادفت مواكب الفتيان والفتيات، وتجاوبت أناشيد الهوى والشباب، ورن الصدى في أذنيها؛ وذكرت فتاها. . . وحنت إليه، واصطرعت في نفسها عاطفتان، فرضيت ثم سخطت، وترقرقت في عينيها عبرة. . .
. . . واتخذت نضار طريقها إلى مأواها وفي نفسها ألم، وإن ضحكات المرح والمسرة تتجاوب حواليها؛ ومضت تحدث نفسها وتستمع إليها، وفجأة برز لعينيها منظر. . . هذا