ما بذل في حياته لخير هذه الأمة فلم يلق من يعرف يده!
وإلى القارئ أصف ما عثرت عليه:
يعرف قراء العربية أن كل كتب المراجع في لغتنا ليس لها فهارس تعين الباحث على التماس ما يريده منها في أقصر وقت، إلا بضع كتب من المطبوعات الحديثة؛ فالأغاني، والأمالي، والعقد الفريد، والكامل، والعمدة، والخزانة، والحيوان والبيان والتبيين، وكتب الطبقات، وحتى كتب الفهارس والتراجم، ليس لها فهارس يمكن الاعتماد عليها عند البحث؛ فمن أصاب منها غرضاً فعن طريق المصادفة والاتفاق، أو بعد المطاولة وضياع الزمن؛ وحسبي أن أذكر أنني ذات مرة أنفقت ليلة كاملة في البحث عن كلمة في البيان والتبيين ثم لم أعثر بها فطويته على سأم وملالة؛ فلما كنت بعد أيام، وقد فات عليّ الغرض الذي كنت أقصد، فتحت الكتاب عرضاً فإذا الكلمة التي كنت أريدها أمامي. . .
هذه الحقيقة يعرفها كل من عانى مشقة البحث في هذه الكتب؛ فهي كتب للقراءة المجرّدة لا للبحث والتنقيب العلمي عرف الرافعي ذلك فاتخذ له طريقاً. . .
وكان أول ما صنع أن انتخب كل الكتب التي يعينه أمرها فيما يمهد له من البحث، فقرأها كلها قراءة درس؛ وهي كتب ليست بالقليلة، وحسب القارئ أن يعرف أن كل فصل في كتاب تاريخ آداب العرب للرافعي قد اعتمد فيه على عشر مراجع من المطولات أو يزيد، ليدرك من ذلك كم كتاباً قرأ قبل أن يؤلف كتابه الذي ذكرت. . .
قلت إن الرافعي انتخب طائفة من الكتب يرجو أن تعنيه على البحث فقرأها كلها، أعني نَفَضَها نَفْضاً بحيث لم يفُتْه منها معنى يتصل بموضوعه
ثم شرع يعمل، فكتب لكل كتاب مما قرأ ملخصاً يضم المجلدات الكثيرة في كراسة أو كراسات؛ يرجو أن تغنيه عن أصولها المطولة
ثم عاد إلى هذه الملخصات فرتب أجزائها ترتيباً يضم القريب إلى القريب بحيث يجد طلبته عند النظرة الأولى من غير أن يتعب في تقليب الأوراق
ثم كانت الخطوة الرابعة فزاوج بين ملخصات الكتب المختلفة يضم الأشباه منها إلى الأشباه
ثم كتب. . .
ثم عاد إلى المكتوب فقرأه قراءة الباحث: يزاوج بين رأيٍ ورأي ليخرج منهما رأي ثالث.