للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بضعفها، والبازي بأنه لا يود أن يترك مكانه من أيدي الملوك. وهلم جرا

يجادل الهدهد هذه الطيور ويرد عليها أعذارها، ويرشدها إلى الخير، ولا يألو في النصح لها. فتطيف الطيور بالهدهد تسأله: كيف يقطع هذا الطريق البعيد، وماذا يصلنا بهذا الملك العظيم، في أسئلة كثيرة، فيوبخهن على التواني في الطلب، والركون إلى الدعة، والوجل من لقاء الشدائد. ثم يقول مبينا نسبة الطير إلى السيموغ انه تجلى كالشمس من وراء الحجب، آلاف الظلال على الأرض وما الطير إلا هذه الظلال. ثم يقول: ان العشق إذا صدق استهان العاشق كل شيء في سبيله، واقتحم كل عقبة إلى حبيبه.

(وهنا يستطرد الشاعر إلى قصة الشيخ صنعان الذي أخرجه العشق عن طوره. وهي قصة عجيبة تستغرق أكثر من ٢٠٠ بيت ولا يتسع لها المجال هنا، ولا يحسن إجمالها)

هاجت الطير شوقا، وأجمعت على أنه لابد لها من أمير تطيعه على اليسر والعسر، واتفقت على أن يقرع بينها، فأصابت القرعة أجدرها بالإمارة وهو الهدهد.

فوضع التاج على رأسه وتقدم، واجتمعت إليه أسراب الطيور فأشرف بها على طريق موحشة مقفرة، فسأله سائل ما لهذى الطريق مقفرة؟ قال إن الناس تجنبوها إشفاقا وخوفا. وحكى أن أبا يزيد البسطامي خرج إلى البرية في ليلة مقمرة والناس نيام، فراقه جمال الليل وتهويده. وعجب كيف خلا هذا المقام من المشتاقين، فسمع مناديا يناديه، ان الملك لا يأذن لكل إنسان أن يسلك طريقه، وأن عزتنا أبعدت السائلين عن بابنا.

ثم تقدمت الطير (فرأت طريقا ولا غاية، والما ولا دواء، هنالك تهب ريح الاستغناء، فينحنى لها ظهر السماء، هنالك صحراء لا يعبأ فيها بطاووس الفلك، فكيف بطير هذا الدنيا)

فلما هال الطير ما رأت، حفت من حول الهدهد فقالت؛ إنك طوفت في الآفاق وعرفت كل شيء، فارق المنبر لنسألك عما حاك في صدورنا، فلابد أن نطهر قلوبنا من الريبة. صعد الهدهد وشدا بعض الطير بالحان هاجت الطير وأذهلتها. ثم تواترت الأسئلة فكان أول سؤال أن قال طائر: أخبرني أيها الإمام كيف فضلتنا جميعا. وكيف كان هذا التفاوت بيننا وبينك؟ قال الهدهد: منحتني هذه الدولة نظرة من المليك. إنها دولة لا تنال بالطاعة، فكم أطاع إبليس. لا أقول إن الطاعة لا تجب، فعليك الطاعة. لا تفتر عنها ساعة ولكن لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>