للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو أزهد من رأيت في الجاه والشهرة، وأقدر من رأيت في الحكم على النفوس، وأقوى من رأيت في إقامة الحق إذا أراد إقامته، وفي إزهاقه إذا أراد إزهاقه، وأشد من رأيت استسهالاً للعبث بعقول الناس، فهو يبدأ يقص عليك القصة، فلا تلبث بعد أن يقطع معك مرحلة طويلة فيها أن تفيق فتجد نفسك قد سمعت كلاماً كثيراً مرتبطة أجزاؤه بعضها إلى بعض، ولكنه ذاهب إلى حيث لا تدري؛ فإذا أحببت أن تعود أدراجك إلى بدايته لم تعرف كيف تروح معه ولا كيف تجئ

يشترط عليه الأستاذ إميل بك زيدان إذا أراد أن يحادثه في أمر أن يمتنع عن مناقشته فيه، لا لشيء، إلا لأنه جرب مرات ومرات أن مناقشة الأستاذ شهاب تنتهي عادة بأن تقر دار الهلال نقيض ما تريده، وما تكون قد أعدت العدة له

من آرائه أن مصر ستظل هكذا في انتظار زعيم لابد أن يكون دينياً، وأن اللحم سيد الطعام، وأن أسعد الناس هم سكان التكايا؛ وأن الأستاذ محمود حسن إسماعيل شاعر قبطي بدليل الرهبان والصلبان والأجراس التي ترن في شعره كثيراً، وأن طلبة كلية التجارة يجب عليهم أن يقضوا مدة التمرين في المذبح وعند أبي ظريفة وغيره من تجار الفول، على أن لا تزيد مدة التمرين هذه على ثلاثة شهور يعطى الطلبة بعدها دبلوم التجارة ليغزوا هذين الميدانين من ميادين التجارة القومية الرابحة ربحاً مؤكداً ومركباً أيضاً؛ وغير ذلك له آراء كثيرة كم اختلستها منه نشرتها منسوبة إليه في (الرسالة)، فأعجبت من قرأها

حفني محمود بك:

هو أيضاً عجيب في تفهمه للناس وإدراك تكوينهم النفساني وهو يثأر للناس بعلمه هذا من الأشرار الذين يفتكون بهم. ولا تأخذ عند هذا الثأر رحمة ولا شفقة، وجمهور من الناس يحسبون (حفني بك) مهذاراً ماجناً، وهم يروون حوادثه على أنها نوع من العبث والمزاح، وقد اصطنع بعض المتظرفين أسلوبه في السخرية من الناس، ولكنهم لم يحرصوا على ما يحرص عليه هو وهو أن ترمي كل نكتة من نكاته إلى معنى حق، وأنه لا يمكن أن يصيب بمزاحه ضعيفاً أو مسالماً، وأنه لا يؤذي به إلا من هو جدير بالأذى. . .

كان غني من أغنيائنا في أوربا في شهر يوليو. وهذا الغني صاحب ذمة واسعة

تقدم منه حفني بك وهو في بار اللواء وقدم إليه ورقة من ذوات الخمسة الجنيهات وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>