وهذا هو بعد فترة - لم يكن يدري مداها - قضاها شبه حالم في تأمل لم يخرج منه بطائل، ثم إنه حين فتح عينيه وعاد بعض الشيء إلى حالته الطبيعية تبين أنه كتب في غير وعي على الورقة الزرقاء - التي لا تزال منشورة أمامه - باللغات التي يعرفها (أبدا. . . ابدأ. هذا لن يكون. .!) ذلك بأنه كان قد انتهى إلى ما يشبه التصميم على إلا يلبي طلب الفتاة، وعلى أن يقطع علاقته بها وان لم يكن يدري سبب هذا على التحقيق.
وجاء المساء فتوفر الفتى صدر ليلته على التفكير في فتاته وكأنما زايلته نفسه وقفزت إلى كتفه، وصارت تسائله وتحاوره وتضحك منه ساخرة. قالت له نفسه:
- تريد أن تهجرها؟ أتراك تعني ما تقول؟ أتراك تستطيع أن تنسى؟ فمط شفتيه وهز رأسه وأقفل عينيه وهو يقول:
- النسيان؟ لقد جربته في الماضي ونجحت التجربة فمالي لا أحاول مرة أخرى؟
- أية مغالطة! انك لم تنس أبدا. لقد كنت تخدعني وتتناسى. ومع ذلك حاول هذه المرة أن تنسى: العينين الباسمتين دائما، العميقتين اللتين لم تكن تمل أن تحدق فيهما، والشفتين اللتين كانتا نفتران عن بسمات تسير على ضوئها أياما. . والقبلات التي كنت تقول إنها تعوض كل مفقود وتأسو كل جرح، وتعزى عن كل مصاب!
- كفى! كفى! دعينا من هذا!
- هي! لقد كنت ظننتك نسيت! وفي الحق مالنا ولهذا! أنت تريد أن تهجرها فهل بحثت عن سبب أطمئن إليه)
- كأنك لا تعرفينني! إن اقتل قلبي، ولا أجرح كبريائي.
- كبرياؤك؟ ماذا مسها؟
- لم أكن أظن أن فتاتي - كمن سبقنها - تريد أن تتقاضاني ثمن العاطفة كأن حناني لم يكن ثمنا كافيا!
- أي سبب؟! إنك لتتجنى عليها. لعلك تفيء إلى الحق فتعترف أنها نزوة تلك التي أصابتك.
- وما يهمني؟ أليست النزوة مع عطلها عن الأسباب سببا في حد ذاتها؟ وللنزوات أحيانا أسباب نتجاهلها. قل لي ألم تكن تحب صاحبتك؟