نفسه لحظة أو بضع لحظات فوقف في مكانه يفكر على هذا النحو
هذه الساعة ألقت بحلقات من سلسلة الزمن إلى ظلام الماضي وعمقه، وهذا هو مبعث الكابة التي تدخلها على النفس دقاتها في السكون والظلام.
أهكذا تمر الساعات والأيام؟ هذا عام ثان يكاد ينتهي ولما تعد فتاتي، ترى ماذا صنع الله بها؟ اني لأتمثلها الآن وهي تهبط الدرج لآخر مرة في خطوات غير متزنة. إنها لم ترفع عينيها. أترى لم تكن تفكر في (الطلوع) مرة أخرى؟ أم ان القدر الأعمى لم يكن انبأها، وإنما سارت واضعة ذراعها تحت ذراعه إلى حيث لم تكن تدري؟
من كان يدري؟. . حين ألقت بها المصادفة في طريقي، شعرت إني وجدت فيها الإجابة على نداء نفسي الذي كانت تهتف به منذ فجر الشباب. لقد وجدت فيها ريا أطفأ ذلك اليهام إلى المجهول الذي كان يجعل العالم أمامي كوادي التيه أسير فيه على غير هدى.
وغابت عني فعدت إلى عالمي القديم صفر اليدين إلا من ميت الآمال!
ومرت سنون ثلاث. . وذات يوم كان (حقي) يسير في شارع فؤاد فلمح اسم صديقه إبراهيم. . . المحامي، على لوحته النحاسية - بين لوحات أخرى تحمل أسماء كثيرين اغلبهم أطباء - معلقة على باب العمارة، وفجأة خطر له أن يزور هذا الصديق في مكتبه.
ولم يكد يتخطى الباب الكبير حتى وجد فتاته. . . ليلى! نعم هي كما كانت دائما. . . وجدها واقفة تتسلى بقراءة البطاقات الموضوعة على صناديق البرد في مدخل العمارة، وكأنما كانت تنتظر أحداً.
والتقت نظراتهما، وحار فيما هو فاعل، ولكنه لم يدر إلا وقد تقدم إليها وهو يقول:
ليلى -! لم لم تأت يوم الثلاثاء الماضي؟ كنت مريضة؟ هذا هو عذرك الدائم.
وكان يوم الثلاثاء الذي يعنيه قد مرت عليه سنون خمسة! ولكنه حين أخذ يدها بين يديه يشد عليها نسى أنه لم يرها طوال هذه المدة وهكذا شعرت هي الأخرى، وكأنما هذه السنين قضياها كأهل الكهف نياما!
وأغمضت عينيها وكأنما أرادت أن تكر بالذاكرة إلى هذا الماضي البعيد وقالت وهي تبتسم:
- كلا لم أكن مريضة ولكن حدث أن أمي خرجت معي ولم يكن في إمكاني أن أستصحبها في زياراتي لك. قال: