أخذ الغناء يبتعد شيئاً فشيئاً ويتضاءل صوته في مسمعي، ولكن تأثيره في نفسي كان عجيباً يبعث في العين الدموع
لست بمعدومة المقص،
أقص به صوف الغنم؛
ولكن عليه أثر مقصك المحبوب،
إذا ذهب ذهبتْ روحي وحياتي!
لست بمعدومة الرباط،
أربط به جرساً في رقاب الغنم؛
ولكن أنتظر وقت انقطاعه،
فأذهب إلى جانب المحبوب!
فلما سمعت هذا الغناء انحدرت دموعي من غير أن اشعر، ثم وقفت على قمة الجبل تحت شجرة الصنوبر ونظرت إلى السفح فإذا قطيع من الغنم لا يزيد على بضع عشرة غنيمة ترعاه فتاة صغيرة وتسير به في ضوء الشمس الغاربة ذاهبة على مهل نحو المدينة؛ وكان على رأس الفتاة لفاع أخضر يفيض على يديها، ويبدو تحته لباس آخر أحمر؛ وفي رجليها حذاء من النسيج وهي تسير بقطيعها مغنية منشدة مبتعدة عني شيئاً فشيئاً:
غنمي، غنمي!
لا تخافي ولا تحزني!
إنه لا يجترئ حيوان مفترس أن يقترب منك ما دامت موجودة معك.