للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اصطلاح المهندسين والفلكيين. فلماذا لا ينطق الكلب بلغة الرياضة العليا كما ينطق بلغة الطعام؟

ومثل آخر من تلك الأمثلة أنه تعرض لرأي ابن الراوندي في إعجاز القرآن إذ يقول: (إن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالقرآن الذي تحدى به النبي، فلم تقدر العرب على معارضته، فيقال لهم أخبرونا لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن، فقال: الدليل على صدق بطليموس أو أقليدس أن أقليدس أدعى أن الخلق يعجزون أن يأتوا بمثل كتابه أكانت نبوته تثبت؟).

تعرض الرافعي لكلام ابن الراوندي، فماذا قال في الرد عليه؟. . . إنه لم يكشف المغالطة الظاهرة فيه وهي أن أقليدس لم يخترع الحقائق التي أوردها في كتابه، وليس في طاقته هو نفسه أن يبتدع كتاباً آخر أو يزيد قضية واحدة على تلك القضايا، فالعجز يشمله كما يشمل الآخرين، والدعوى لا تظهر فضلاً له غير فضل الاهتداء إلى الحقائق الموجودة قبله والتي لا يد له هو في إيجادها بأي معنى من معاني الإيجاد.

لم يكتشف الرافعي هذه المغالطة الظاهرة، بل راح يقول: (لعمري أن مثل هذه الأقيسة التي يحسبها ابن الراوندي سبيلاً من الحجة وباباً من البرهان لهي في حقيقة العلم كأشد هذيان عرفه الطب قط. وإلا فأين كتاب من كتاب، وأين وضع من وضع، وأين قوم من قوم، وأين رجل من رجل؟ ولو أن الإعجاز كان في ورق القرآن وفيما يخط عليه، لكان كل كتاب في الأرض ككل كتاب في الأرض، ولا طرد ذلك القياس كله على وصفه كما يطرد القياس عليه في قولنا: كل حمار يتنفس، وابن الراوندي يتنفس، فابن الراوندي يكون ماذا؟).

كذلك خيل إلى الرافعي (رحمه الله) أنه رد على ابن الراوندي وما زاد على أنه وصفه بأنه حمار. فمن شاء أن يحسب هذا قياساً فليفعل وله حكمه على عقله. أما أن يحكم على العقول جميعاً بأن نقيس الآراء كما يقيسها، فذلك هو الشذوذ.

وقد نذكر هنا المثل الثالث والرابع والخامس والأمثلة الكثيرة لو كنا نريد الإحصاء والاستقصاء، ولكننا نريد التدليل ولا نبغي غيره. وفيما تقدم الكفاية.

فالذي قلته في أدب الرافعي هو الذي اعتقدته، بل هو الذي لا أقدر على اعتقاد رأي غيره

<<  <  ج:
ص:  >  >>