إليها. لأنها تريد من القراء أن يلتفتوا؛ وتعيش من التفاتهم إلى ما تكتب. لا من تعويدهم أن يهملوا الأخبار التي تستحق الإهمال
والكاتب الذي يسافر ألف ميل لينقل خطبة يلقيها أحد الزعماء في يوم مشهود مرتقب المصير من المغرب إلى المشرق قد يفقد وظيفته إذا قنع بما دون السحر والإعجاز في وصف ما سمع وما رأى، وما لبث الناس ينتظرونه ويتكهنون به متشوقين متلهفين!
وقد تتفق الرواية الأمينة في الصحيفة الرصينة فيقرأها العارف المسئول ويعرض عنها طالب المناظر والعناوين، ممن ينظرون إلى مسرح السياسة كما ينظرون إلى مسرح التمثيل، وهم جمهرة القراء والنظارة في كل مكان، فيتواتر النبأ المبالغ فيه، وينقطع النبأ الذي يحرص على الصدق والأناة، وينتهي الأمر برواج الكذب والتلفيق، وبالشك في الصدق والأمانة.
فمبالغة السامعين ومبالغة الرواة ملازمتان لكل شهرة سياسية في كل زمان ولا سيما زماننا الحاضر: زمان النشر والإذاعة، وزمان التشوف إلى الجدة والغرابة ودفع الملل والسآمة.
ويأتي بعد المبالغة السامعين ومبالغة الرواة مصدر آخر من مصادر التهويل في الشهرة الخطابية قائم على النية السيئة والخطة المرسومة، ونعني نه مصدر الدعوة المسخرة والأقوال المأجورة، وهو سلاح يعتمد عليه النازيون خاصة فوق اعتمادهم على سلاح الميدان وجميع هذه المبالغات قد بلغت في تعظيم شهرة الزعيم النازي أقصى ما يتاح لشهرة أن تبلغ على الإطلاق: فاهتمام النازيين بالدعوة المسخرة قد جاوز كل اهتمام وجمهورهم أقرب الجماهير إلى التسليم والاستسلام، وحملة الأقلام ما فتئوا عدة أعوام يتنافسون في إشباع نهمة القراء بين جميع الأقوام.
فمن الطبيعي إذن أن تكون حقيقة هتلر الخطابية أقل كثيراً من شهرته التي أذاعها الدعاة والصحفيون والسامعون من أتباعه ومريديه، وأن يدخل في حساب شهرته كثير من المبالغة والاختراع و (الإخراج).
ونحن في عصر نسمع فيه الخطباء ونراهم على بعد، ونحكم على المتكلم في برلين أو موسكو أو واشنطن حكم راء وسامع، فما على المذياع ولا على الصور المتحركة من بعيد.