وانقلبتا إلى لؤلؤتين غاليتين لم تحز قط مثلهما ملكة من الملكات.
ورفعتها البحيرة حينذاك، كما لو كانت في أرجوحة، وبحركة موجه واحدة نقلها إلى شاطئها المقابل حيث يقوم هناك بناء كبير فخم، يجاوز طوله مساحة فرسخ كامل. ولم يكن ليقدر على تمييزه من بعد أحد: أهو جبل بمغاوره وغاياته أم هو بناء للفن والجمال؟
غير أن الأم المسكينة لم تستطيع أن ترى مما حولها شيئاً، لأنها جادت بعينيها في سبيل ولدها
وهنا علا صوت الأم وقالت بيأس شديد وألم مرير:
- ولكن كيف أعرف الآن الموت الذي انتزع مني ولدي واختطفه من بين يدي؟
فأجابتها امرأة عجوز كانت تتمشى هناك جيئة وذهوباً، وتحرس الملجأ وترعى الأزاهير والأشجار:
- إن الموت لم يأت بعد. . . ولكن كيف وصلتِ هذا المكان؟ وأي طريق سلكت؟ بل من الذي أعانك على الوصول إلى هنا؟
- إن الله عز شأنه هو الذي أغاثني وأعانني على ذلك. . . إنه رؤوف رحيم. وأنت أيتها العجوز سترأفين بي وتشفقين علىُّ. أخبريني أين أستطيع أن أجد مهجة نفسي وفلذة كبدي الغالية؟
فقالت العجوز:
- ولكن لا أعرف ابنك، وأنت - كما أرى - كفيفة البصر. وقد ذبل في هذه الليلة كثير من الأزهار والأشجار والنبات؛ وسيأتي الموت بعد قليل كي يقتلعها من الملجأ. وأنت تعلمين دون ريب أن لكل كائن بشري في العالم شجرة أو زهرة في هذا المكان تمثل حياته وصفاته، وهي تموت عندما تحين منيته والمرء حين ينظر إلى هذه النباتات يحسبها من النباتات العادية التي لا قيمة لها ولا شأن يذكر. ولكن عندما يلمس إحداها يشعر للحال بوجيب قلب وخفقات فؤاد. . .
تعالي معي إلى الملجأ وجسي تلك الأزهار والنباتات، فلعلك تهتدين إلى خفقات قلب ولدك. . . وماذا تعطيني إذا أرشدتك إلى ما يجب عليك صنعه أيضاً؟. . .