- لم يعد لدي شيء أمنحك إياه، ولكني سأبحث لك عن شيء يدخل إلى نفسك الغبطة والسرور؛ ولو كان ذلك من أقصى الأرض.
ولكني لست بحاجة إلى شيء من خارج هذا المكان أعطيني شعرك الطويل الأثيث؛ وأنت تعلمين دون ريب أنه جميل ساحر. إنه يعجبني كثيراً وسأستبدله بشعري الأشيب.
فقالت لها الأم:
- أما ترومين شيئاً غير هذا؟ إنه لأمر سهل! هاك. . إنني أمنحك إياه بملء إرادتي وكامل رغبتي.
ثم اقتلعت شعورها الجميلة - التي كانت زينة شبابها الغض وصباها الناضر - واستبدلتها بشعر العجوز، وهو قصير شديد القصر، أبيض ناصح البياض.
واقتادتها العجوز من يدها. . . ثم دخلتا إلى الملجأ الكبير، حيث كانت أجمل النباتات وأكثرها نضارة، تنمو بشكل باقات متراصة. وكان يرى تحت أجراس بلورية أجمل أزهار السوسن وألطفها، وإلى جانبها أزهار الفاؤيا المنتفخة. وكان يوجد أيضاً نباتات مائية شديدة النضار، وأخرى ذابلة أو شبه ذابلة، وكانت جذورها محاطة بالأفاعي الرُّقط. وغير بعيد كانت أشجار النخيل الباسقة قائمة هناك، وإلى جانبها أشجار السنديان والدلب. وفي مكان آخر كانت تنزوي حديقة البقدونس والسعتر وبقية البقول الأخرى، التي هي رمز العنصر النافع للحياة. وكان يوجد عدا ذلك شجيرات ولكنها كبيرة وضعت في أوان ضيقة، وهي في أوانيها هذه وكأنها على وشك الانفجار. وكان يرى أيضاً زهيرات صغيرة رديئة في بعض الأواني الصينية تحيط بها أزهار البابونج، وقد اعتنى بها كل الاعتناء. كل هذا كان يمثل حياة البشر الذين ما زالوا حتى الساعة أحياء يرزقون، يقطنون الكرة الأرضية من بلاد الصين إلى جزيرة غرونلاندا.
وأرادت العجوز أن نشرح لها كل هاتيك النظم والترتيبات الخفية، غير أن الأم رفضت ذلك وأبت أن تصغي إلى مقالتها، وطلبت من العجوز أن تقودها إلى كل نبت صغيرة طري العود. وأخذت الوالدة المسكينة تشم كل واحد من هذه النباتات بأنفها وتجسه بيدها، لتحس نبضات قلبه وخفقات فؤاده. وبعد أن جست المئات والآلاف، تمكنت من معرفة دقات قلب ولدها، وما أن عرفتها حتى صاحت بفرح وابتهاج: