ومدت يدها إلى نبت صغير تهدلت أوراقه، وبدا عليه الذبول بأجلى معانيه وأوضح صوره فصاحت بها العجوز قائلة:
- حذار أن تلمسيه، وابقي هنا أن يؤوب الموت - ولن يطول غيابه - وامنعيه من أن يقطف هذا النبت، وهدديه باقتلاع جميع الأزهار المحيطة به إن هو فعل ذلك، وسيخشاك ويرهب جانبك، لأنه مسؤول عنها أمام الخالق العظيم، ولا يجوز لنبت ما أن ينزع من مكانه قبل يأمره الله بذلك.
وفي هذه اللحظة هبت ريح عاصفة شديدة البرودة، فتنبأت الأم بأن الموت يدنو ويقترب
ووصل الموت بعد يسير من الوقت، فلما رأى الأم نظر إليها شزراً وقال لها بغيظ:
- كيف تمكنت من الوصول إلى هنا، ومن أرشدك إلى الطريق؟ وسبقتني أيضاً؟ ماذا صنعت؟ وكيف وصلت؟
واكتفت الأم المسكينة بهذا الجواب المقتضب:
- (إنني أم. .)
ومد الموت يده الطويلة العقفاء إلى النبت الصغير؛ ولكن الأم أحاطته بيديها، وضغطتهما في حرص شديد واعتناء زائد حذراً من أن ترضَّه أو تلحق ببعض أجزائه الدقيقة أذى. فنفخ الموت على يدي الوالدة المسكينة فشعرت بهما تسقطان خائرتين. وكانت نفخة الموت هذه أشد برودة من رياح أكثر فصول الشتاء برداً وزمهريراً.
وقال لها الموت:
- إنك لا تستطيعين معاكستي في شيء.
- ولكن الله تعالى أقوى منك واشد بأساً.
- أجل. وأنا لا أفعل إلا ما يأمرني به. . . إنني مُزارعه! إن هذه النباتات والأشجار والشجيرات عندما لا تجد سعادتها وهناءها في هذا المكان أقتلعها لأغرسها من جديد في حدائق أجمل وأروع، وجنة الخلد الكبيرة إحدى هذه الحدائق، إنها أمكنة مجهولة ولا أستطيع أن أخبرك بما يجري هناك.