- ولي عليك الآن أن تشكرني فقد علمتك أن ترى فيها أكثر من ذلك
- بل إني أرى هذا الذي علمتني إياه شيئاً تستحقين عليه اللعنة لا الشكر. فأنت قد فتكت بعقلي، وأنا أشعر أني سأصبح بعد هذا الذي تعلمته منك إنساناً موسوماً كلما رأيت شيئاً حاولت أن أعرف له معنى من وراء معناه البارز، وهذا أمر سيهديني من غير شك إلى حقائق هي غائبة عني اليوم، ولكنه في الوقت نفسه سيبعثني إلى أوهام وخيالات قد أحسبها حقائق إذ يركن عندها عقلي بينما هي ليست في الحق إلا عوارض. . . فما نجاتي من هذا وأنا لا أحب إلا أن أرسو عند حق أطمئن إليه؟ وقد كنت مرتاحاً يوم كنت راضياً عما كان يواجهني من أبسط الحقائق. . .
- إنما كنت راضياً عن البلاهة
- وكنت أجد فيها كل المتعة. ألست ترين الزنجي الذي إذا رأى التفاحة على الشجرة قطفها ونهشها أسعد حالاً من ذلك المتحضر المترف الذي يراها فيستغرق في النظر إليها هذا الاستغراق الذي تريدينه، ثم يقوم آخر الأمر فيرسمها. . . لماذا يرسمها؟. . . هل هو إذا أتقنها مهما أتقنها استطاع أن يجعلها تفاحة؟. . . والله ليست هذه إلا خيبة!
- بل هو الفن. . .
- فن الضعف. . . وهو كذلك الضعف الذي يأخذ نفس الشاعر حين يلقي محبوبه فيتركه أمامه ويغمض عينيه ليتصوره، أو يقضي معه الساعات ثم يغادره لكي يحلم به، فإذا وافاه في المنام لم يكن بينهما إلا كلام تافه لا يغني ولا يقنع به عاشق من غير الشعراء. . .
- وكل العشاق من غير الشعراء إن نعموا بالحب فنعيمهم به زائل إلى جانب أنه نعيم نازل؛ أما الشعراء فنعيمهم بالحب خالد إلى جانب أنه نعيم سام
- هذا هو الكلام الذي تقوله كل حواء للضعيف المتخاذل من عشاقها تواسيه فتعترف له بأنه صاحب فن، وتسخر منه عند نفسها لا لنقص فيه إلا أنه صاحب فن. . . أو تريدين أنت أن تنكري هذا؟ هل ترضى المرأة عن الرجل الذي إذا أحبها قال فيها كلاماً أو