(. . . فلماذا؟ ولماذا لا نجد في الأمة العربية شعراء وكتاباً ومنشئين كبعض من نقرأ لهم من أدباء أوربا؟)
وطوى أحمد الرسالة وهو يتمم: نعم، لماذا. . .؟ لا لا، إنني أكاد أعرف. . . ولكن، لماذا. . . لماذا لا يزال - مع ذلك - والغنى؟ هذا هو السؤال الذي يحق!
وتذكر الرواية التي شاهدها في السيما منذ ساعات، وتذكر صديقه الذي يهم أن يعد حديثاً عنه ليوم ذكراه. . . وصمت برهة، ثم وقف، وراح إلى المصباح فإطفاء، وقصد إلى فراشه، ولكنه لم ينم. . . واستغرق في تفكير عميق. . . وأحسبرد الراحة على قلبه حين انتهى من تفكيره إلى حد. . .
. . . وأصبح أصدقاء أحمد يسألون عنه فلا يجدونه، ومضت أيام ولا حسُّ ولا خبر، إلا رسالة موجزة تلقاها بعض صحبه، وليس فيها إلا هذه الكلمات:
(إنني ذاهب. . . لقد برمت بدنياي. . . وداعاً يا أصدقائي!)
وجدَّ أصدقاؤه في الطلب فلم يقفوا له على أثر، وظنوا الظنون. . . ثم استيقظوا، حين عثر بعض الرواد في صحراء الجيزة على أشلاء آدمية تكاد تواريها الرمال في قعر هوة سحيقة من هُوى الصحراء. لم يكن ثمة وجه يبين، ولا لسان ينطق، ولا اثر يدل، إلا قميصاً خلقاً قد حال لونه وتمزقت حواشيه، لقد أكل الوحشُ من ذلك الجسد ما أكل وأبلى الرمل ما بقى، فما هو الإعظام نخرة وأنابيب جوفاه وأديم ممزق!
وقال واحد من صحابته: لقد توقعت له هذه الخاتمة منذ بعيد، ويا طالما حذرته من ارتياد الصحراء وحيداً في غبشة الصبح وفي ظلمة الغسق فلم يسمع لي؛ يزعم أنه يجد هناك مهبط الوحي ومنبع العبقرية!
وقال الثاني: وكذلك زعمت لنفسي حين جاءتني رسالته يودعني ويستودعني؛ لم يقع في نفسي إلا أنه ذاهب إلى الصحراء؛ لقد تحدث إلى مرة. . . وكان يتشوف إلى اليوم الذي يفارق فيه دنيا الناس إلى معتزل هادئ على حدود الصحراء يأنس فيه إلى الوحش فلا يرى أحداً من الناس ولا يراه أحد! فلعله. . .!
وقالت الثالث: يرحمه الله! وانحدرت على خده دمعة فجاوبتها أخواتها من عيون أصحابه؛