الفنان الأول
هنالكَ حيث تَشبُّ الحياةُ ... وحيث الوجودُ جنينُ العَدَم
وحيثُ الطبيعةُ جبارةً ... تشقُّ الوهادَ وتبنيِ القِممْ
وحيثُ السعادةُ بنتُ الخيالِ ... ولذَّتُها من معاني الألمَ
وحيث الطريدانِ شجَّا الكؤوسَ ... ومَجاَّ صُبَابَتها من قِدَمْ
رَناَ، والطبيعةُ في حليها ... وحواءُ عاريةٌ كالصَّنَمْ
فمن أين سارَ وأنّى سرَى ... تَصَدَّتْهُ مُقُبِلَةً من أمم
هنا لك أول قلبٍ هفا ... وأولُ صوتٍ شدا بالنَّغَمْ
وأولُ أنمُلَةٍ صوَّرَتْ ... وخطَّتْ عَلَى اللوحِ قبل القلَمْ
فمالكِ حواءُ أغْويِتهِ ... وأعقبِتِه حَسَراتِ النَّدَمْ
لقد كان راعيَكِ المجتَبي ... فأصبحَ راميكِ المتَّهمْ
ولولاكِ ما ذرفت عيُنهُ ... ولا شامَ بارقةً فابتَسمْ
وعاشَ كما كانَ آباؤه ... يُغَنَّي النجوم ويرعى الغنمْ!
الفنان الأعمى
لأجلكِ يَشقى بلمحِ العيونِ ... ويُصْرَعُ بالنظرةِ العابرة
لَوَدَّ إلى الأرْضِ لم يُصِخْ ... أو ارتدَّ بالمقلةِ الحاسرة
وكم من فتًى عزَّها سمُعهُ ... وغصًّ عَلَى رَهَبٍ ناظره
عصاها، فنادتَّ، فلم يَسْتَمِعْ ... فحلَّتْ به لعنةُ الفاجرة!
له محجرانِ على ما وَعَى ... من الألَق الطُّهْر مختومتانْ
ففي عقلهِ حركاتُ الزَّمان ... مُصَوَّرَةً وحدودُ المكان
وفي قلبهِ أعين ثَرَّةٌ ... بها النارُ طاغيةُ العنفوان
وفي كلَّ خاطرةٍ نيزكٌ ... يشقٌ سناهُ حجابَ الزمان
إذا ما هَوَتْ وَرَقَاتُ الخريفِ ... أحسَّ لها وَخَزَاتِ السَّنانْ
وإن سَكَبَتْ زهرةٌ دمعةً ... فمن قلبهِ انحدرتْ دمعتان