الزواج إلى اليوم. ولم يعد شبحها يظهر إلا مقترناً بذكرى هذا الحوار بنصه وألفاظه كما سمعتها، فكانت ذكراه تقصيني من فوري عن المضي في التفكير. فهذه الشركة النبيلة بين روحين تعاهدا على السير جنباً إلى جنب في طريق الحياة الشاقة الطويلة، ما زالت تقام في أغلب الأحيان على هذا النحو المخجل، وإذا صلحت هذه الطريقة لكثير من الناس فهل تصلح لشخص مثلي قد تتأثر حياته الفكرية وإنتاجه الذهني إلى حد كبير بشخصية الشريك. لذلك آثرت السلامة وأحجمت عن المغامرة، خشية الوقوع في غلطة تفسد على الحياة كلها.
ورجعت إلى وحدتي. . . تلك الوحدة الباردة التي تحيط بي من كل جانب فما أنا في الحقيقة دائماً سوى كوخ مقفر وسط صحراء من الجليد، وضعت داخله يد المصادفة إناء يغلي ويتصاعد منه بخار، هو تلك الأفكار التي تخرج من نافذتي إلى حيث تصل أحياناً إلى جموع الناس. فإذا دخلت امرأة هذا الكوخ فمن يضمن لي ما سوف تلقيه في هذا الإناء وما يتصاعد من جوفه بعد ذلك!. . .
أأنفقت حياتي متنقلاً، تائهاً ليس لي مكان معروف ولا عنوان دائم. فما تركت فندقاً لم أنزله، ولا نزلاً لم أهبطه. حتى ضجرت ذات يوم وتبرمت بهذه الحال واستنكفت أن أعيش هكذا كما تعيش الفكرة الهائمة والروح الحائرة. . . فأردت أن أجرب الحياة المستقرة في مسكن ثابت اخترته في بقعة جميلة من بقاع القاهرة. . . يشرف على النيل، وترى من نوافذه القلعة والأهرام وعنيت بأثاثه، وأعددت فيه مكتباً أنيقاً وخزائن للكتب، واقتنيت سيارة، وأقمت بمفردي وحولي خادم وطاه وسائق. . .
فماذا حدث؟ لم أتجمل الحياة فيه عاماً. فقد كاد الخدم الثلاثة يذهبون البقية الباقية من عقلي، فالخادم النوبي جعل يكسر (اسطواناتي) الثمينة؛ وتحريت أمره فعلمت أنه يتربص بي حتى أخرج في الصباح، فيدير (الجراموفون) ويضع ما يقع في يده من أعمال (بيتهوفن) و (موزار)، ولا يحلو له تنظيف (الباركيه) وطلاؤه إلا على هذه الأنغام.
أما الطاهي فقد كان يبدي الابتكار في ألوانه أول الأمر، ثم قصر وتراخى حتى صار الطعام ضرباً من (الروتين) لا طعم له. فكنت أحياناً أترك المنزل بما عد لي فيه وأذهب إلى مطاعم المدينة. ولقد كان للخدم دائماً طعام غير طعامي، هو في أكثر الأحيان ألذ