- إنك مخطئة، فالحسد والعين ليسا خرافة، مشايخ الزار و (الكوديات) ليسوا جميعاً دجالين، فمنهم الدجالون حقاً، ولكن منهم أيضاً علماء النفس المتمكنين منه علماً وعملاً وكهانة وسحراً. . . تصوري (بهلواناً). . .
- ماذا؟
- البهلوان الذي يمشي على الحبل ويقفز في الجو من عقدة إلى عقدة، ومن حلقة إلى حلقة. . . ألا تعرفين؟. . . هذا (البهلوان) يقوم بألعابه هذه كل ليلة، وهو لأنه مدرب عليها وحاذقها يوفق فيها دائماً كما يوفق دائماً كل عامل مدرب وكل لاعب مدرب. وإذا نظرت إلى هذا (البهلوان)، وهو يقوم بألعابه هذه ترين أنه يأبى أن يسلم عينيه لنظرات الناس، فهو دائماً متجه بنظره إلى لا شيء، أو إلى عينين يحبهما ويطمئن إلى إيمانهما به؛ أما غير ذلك، فهو يخشى لو أنه تلقي نظرات الناس أن يتلقى فيها نظرات شكاكة ينبعث منها الحذر عليه من الفشل في لعبه، والفشل في لعبه معناه الموت. والذي يخشاه من هذه النظرات الشكاكة، هو أن ينتقل شكهما فيه إلى نفسه، فيشك في نفسه، فيتردد في حركاته، فيختل توازنه في قفزة، أو في همة أو في هبطة، فيضيع، وكما يخشى هذه النظرات الشكاكة يخشى أيضاً النظرات الحاسدة التي ينعكس منها بصراحة تمني زوال هذه البراعة عنه، وهذا شيء يبعث في نفسه قوة تتجه إلى إقناع عقله بأن هذه البراعة لن تزول عنه، هذا إذا كان قوياً، أما إذا كان في نفسه شيء من الضعف، فإنه قد يسائل نفسه: أليس ممكناً أن تزول هذه القوة عني. . .وماذا أصنع إن هي زالت؟!. . . ثم من يدربني إذا كانت قد زالت فعلاً، أو أنها لا تزال باقية؟. . . وهذه الاضطراب وهذا الانشغال يستنفدان كثيراً من قوة (البهلوان) ومن جهده بعد أن كان يتجه بقوته كلها وبجهده كله إلى إتقان ألعابه. . . فلا عجب بعد ذلك إذا هو فشل وهو غارق في هذه الزلزلة، فإذا فشل قالوا أصابته العين والعين أصابته فعلاً، وهم يعالجونه بالتبخير والترنح والفوضي الحركية التي يمارسونها في الزار لأنه بهذا يخدر أعصابه ويكف إرادته عن السيطرة على تفكيره، فيوحون إليه وهو في هذه الحال بأنه مصون، وبأن الله حافظه، وبأن الصلاة على النبي واقيته، وبأنه عن أي سبيل من سبل الاطمئنان قوي قادر بارع له أن يثق بنفسه وألا يعود مطلقاً إلى الشك فيها،