الضمائر لقالت إن عواطف أدباء مصر لم تكن إلا جوارح تحسُّ آلام الشرق
وهل يلام أدباؤنا على إعلان هواهم لمصر في أوقات الشدائد والخطوب؟ نحن نغار على مصر لغرضين: لأنها مصر، ولأنها مفتاح الشرق. فإن أمدَّنا الله بالقوة والعافية والتوفيق فسنجعل من مصر قاعدة حربية تدفع عدوان الغرب على الشرق
آه ثم آه!!
إني أخاف طغيان الحوادث على مصير اللغة العربية، وعلى العقيدة الإسلامية. وأنا مع ذلك غير يائس، لأن مصر باقية، ولأن الشرق لن يزول. والله هو المستعان، على مكاره هذا الزمان
الهجرة إلى الريف
الهجرة في أصلها اللغويّ تدلّ على معنى المَشقْة، فهي تشهد بأن المُهاجر ينتقل من حال الاستقرار إلى حال القلَق، فهل يكون الأمر كذلك في الانتقال من المدن إلى الأرياف؟
أعترف مع الأسف بأن الأمر صار كذلك، لأننا بالغنا في تجميل الحواضر المصرية مبالغة مُرهقة، بحيث صار المسكن الواحد يتكلف من الماء والنور ما يكفي لتموين أسرتين من أهل الريف. وقد زادت الأمور الكمالية زيادة لا تطاق، ثم أمست تلك الكماليات وهي من الضروريات. فنحن اليوم بفضل الحضارة في شقاء وعناء
وكنت لأول عهدي بحياة القاهرة أعيش عشية بسيطة، فلم أكن أشعر بفوارق كثيرة حين أنتقل لقضاء الصيف في الريف. ثم تحضَّرت رُويداً رويداً إل أن صرت لا أستطيع قضاء ليلة واحدة بمنزلنا القديم في سنتريس. ولولا الأموال التي خاطرت بتبديدها في بناء منزل جديد هناك لكان من العسير أن (أهاجر) من وقت إلى وقت لزيارة أهلي
الحق أن الحواضر المصرية شلْت قدرتنا على الأُنس بالريف. فالأنهار الجارية في الأرياف لا تغنينا عن صنابير الماء التي ننعم بها في الحجرات والغرفات. والقمر الذي يسطع بأنواره الفضية في سهول الريف لا ينسينا جاذبية النور الذي نتلقاه عن مصابيح الكهرباء. ومن هنا صح القول بأن الذهاب إلى الريف هِجرةً فيها ما فيها من القسوة والعنف. فهل تكون هذه (الهجرة) فرصةً للتداوي من أمراض المدينة؟
إن كنت سمعتم أن الترف يقتل الممالك والشعوب فقد آن الأوان لشرح تلك النظرية.