فالحضري الذي يعجز عن المبيت بديار الريف هو أعجز الناس عن تحمُّل العيش في ميادين القتال
ولو شئت لاقترحتُ أن يُمنَع النوم فوق الأسرَّة في المعسكرات حتى لا يعرف الجنود طعم اللين. فمن الصعب على من تعوّد النوم فوق الحشايا أن يفترش الأرض الصمّاء حين تقهره على ذلك ظروف الهيْجاء
يرحم الله أيامي حين كنت فلاحاً لا يؤذيه النوم فوق الأرض الجرداء!
فقد وَقَذتني الحضارة وأضرعَتني حتى صارت جُنُوبي لا تطمئن إلا إلى حشايا تُنَجّد في العام الواحد مرتين أو مرات، وذلك داء عُضال
لا فائدة من النوم على ما فات. ثم أُوجِّه الكلام إلى أولئك المهاجرين فأقول:
أنتم تَفِدون على أقوام تحصنوا بالقناعة، فما يعرفون من ألوان الطعام غير لون أو لونين، فلا تفتنوهم برؤية الموائد المثقلة بأطايب الطعام والشراب، ولا تحملوهم على أن ينظروا إليكم نظر المحروم إلى المطعوم. فلذلك عواقب يخشاها من تهمهم سلامة القلوب في الريف
أنتم تفِدون على أقوام لا يملك الشخص منهم غير ثوب أو ثوبين، فلا تفتنوهم بكثرة الأثواب، ولا تشعروهم بأنكم أقدر منهم على الزينة، فلذلك آثام ستسوؤكم أوزارها بعد حين
وما الموجب لأن يتخطْر بعض الشبان (المهاجرين) فوق شطوط الجداول وقد لبسوا (البيجامات) وتركوا رؤوسهم العارية تداعب النسيم بالشعر المعطَّر المشكول؟
ألا يعرف هؤلاء الشبان أن أهل الريف لن يلقوهم بغير السخرية والازدراء؟
يجب أن تعيش في الريف بأخلاق أهل الريف، فتحلق رأسك وتكتفي في مطعمك وملبسك يما يتسق مع المأثور من شمائل أولئك الناس، فإن خالفت هذه الوصية فلست أهلاً لنعمة الله عليك، ولن تترك في الريف غير ذكريات لا يسرُّك أن تعاد
هل عندك من قوة الأخلاق ما تقدَّم به لأهل الريف زاداً جديداً من أدب النفس؟
هل تستطيع أن تروض أهل الريف على الاقتناع بأن لأهل المدن شمائل هي السبب في سبقهم إلى أطايب المنافع وكرائم الطيبات؟
هذا يومٌ من أيامك، أيها المهاجر إلى الريف، فكن قَبَساً من الهداية يدفع ما في الريف من ظلمات. وكن في سيرتك مثالاً يحتذيه مَن رحَّبوا بقُدومك أجمل ترحيب