فأخذ يتسلل بين منعطفات الكهف حتى اشرف على صاحب آخر رأى ينبش الأرض وينكثها، وينبش وينكث حتى تفجر من الأرض ماء، مد الرجل إليه فمه فشرب منه رشفة، فإذا به يترنح ترنحاً خفيفاً وإذا به يقول:
- ما في الحياة خير من هذه لذة. . . ولا أمتع منها راحة. . . سأملأ من هذا الماء قدحاً، وسأسقي كلا من أصحابي رشفة فيهدءون ويرتاحون، ويدعون بحثهم واستقصاءهم، فأبحث أنا وأستقصي أنا فإن وجدت بعد ذلك شيئاً أعطيتهم منه القليل، وادخرت لنفسي مصدره. . . لن يكون غير هذا، ولست ظالمهم، ولاهم ظالمي، وإنما لكل منا حظه. . .
وكان الضحاك قد نسي الضحك، واعتراه هم لم يكن يتوقعه واعتراه بأس لم يعرف منشأه، فأطرق برأسه إلى الأرض، وسار بخطوات عمياء إلى حيث لا يدري، وانتهى به المسير إلى حيث كان الكلب راقداً فرقد إلى جانبه هو أيضاً، ولكنه لم يرقد كما يرقد الناس، وإنما انبطح على وجهه كالكلب، وبسط ذراعيه أيضاً كالكلب. . .
كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. أما الكلب فهو الكلب
وأما هم فأولهم هذا الضحاك الذي اغتم ونام وفي آخر الأمر، وثانيهم هذا الذي غنى ونام من قبله، وثالثهم صاحب قطعة النور، ورابعهم صاحب الماء اللذيذ، وخامسهم صاحب سادسهم، وهما اللذان أرادا منذ أول الأمر أن يريا في هؤلاء الجماعة جداً أو هزؤواً وسخرية إن لم يريا الجد
فأين كان سابعهم؟. .
سابعهم كان جالساً على حجر عند مدخل الكهف يتمتم قائلاً:
- هو. هو. هو. هو. هو. هو
وانقضى اليوم. واجتمعوا عند مدخل الكهف حول هذا المتمتم، فسأل أولهم: ماذا وجدت؟ فضحك. فقال له: أمجنون أنت؟ لقد سكتنا عن ضحكك هذا عندما كنا في الطريق، ولكننا الآن لا نستطيع أن نسكت عنه بعد أن قضينا يوماً بحثاً. . .
فضحك. . . فقالوا جميعاً: دعه، إنه مجنون. فتركه يضحك
ثم سأل الثاني: ماذا وجدت. فقال له: غادة هيفاء، وروضة فيحاء، ونسيم عليل، وخمر وغناء، ورقص وتسابيح، ودنيا أخرى غير هذه ما فيها إلا السعادة والنعيم. . .