فمصر يا أخي فيها منادح للفكر والبيان، وهي بشهادتك قد عزَّت على عُدوان الغرب وطغيان الشرق، وقد عجزت المصائب والويلات عن قتل مواهبها الذاتية، فكيف يجوز لك أن تسخر منها أقبح السخرية في بعض مؤلفاتك وأنت تعجز عن الرد على كاتب مثل طه حسين؟
أما بعد فأنا ما زلت أدعو إلى تأليف كَتِيبة أدبية تجرِّد ألسنتها وأقلامها لتقوية الروح الوطني لتحوِّل الوطنية إلى عقيدة راسخة لا تزعزعها النوازل والخطوب
وفي الأدب الصِّرف نفسه يتسع المجال لتأييد العقيدة الوطنية، فالشاعر الذي يتغنَّى بجمال الليل حين يتموَّج نور القمر فوق صفحات النيل هو شاعر وطنيّ؛ والكاتب الذي يتأنق في وصف ملاعب القاهرة والإسكندرية ودمياط هو كاتب وطنيّ. والباحث الذي لا يَعنيه غير درس مشكلات التعليم هو باحثٌ وطنيّ. واللاعب الذي يقضي أوقاته في التأهب للاشتراك في مباراة رياضية هو لاعبٌ وطنيّ. والتاجر الذي يُغلق أذنيه عن الحوادث اليومية ليتفرغ لمصاعبه التجارية هو تاجر وطنيّ. وطه حسين وأحمد أمين وتوفيق الحكيم يستطيعون أن يكونوا من الوطنيين إذا قَصَروا جهودهم على ما يحسنون من الأعمال
المهمُّ يا بني آدم أن تعاونوا على إيقاظ الروح الوطني في أية ناحية من نواحيه، وأن يكون لكم شأن في تحرير البلاد من قيود الركود والخمود
دمياط والمنصورة
وهَتف سائل يقول: ما الذي أوجبَ أن نرى في مؤلفاتك ومقالاتك إشارات رقيقة إلى دمياط؟
وأجيب بأني لم أزُر دمياط إلى اليوم، ولكني مُوَكل بالحديث عن البقاع الكريمة من وطني، فدمياط من ثغورنا البواسم وكان لها مقامٌ محمود في صدَّ الغارات الصليبية. وما تزال دمياط مرجع طوائف كثيرة من كرائم الأفئدة والقلوب، ولن أنسى أبداً طغيان البحر والنيل حول دمياط حيثُ غرِق الروح الشفَّاف الذي أوحى إلى خاطري بعض القصائد الجياد
وأخونا الزيات يقيم اليوم بالمنصورة ليتقي الغارات الجوية، وأنا والله في خوف عليه، وما