فاستغربت مقاله، وأعدت عليه سؤاله: بغير شرط وبغير قبول؟ فماذا تشترطون؟ وماذا وقد وصلنا إلى الساحة الكبرى يحول بيننا وبين الوصول إلى الغد المأمول؟
قال: الشرط معقول، والشرح لا يطول. . .!
قلت: هات ما عندك، فقد يهون الشرط المعلوم في سبيل الغيب المجهول
قال: إن هذه السنين تحسب من أعمار الناظرين
قلت: كيف؟ ألا تبين؟
قال: بلى، وإليكم البيان. فمن أباه فلينصرف ومن ارتضاه فليبق في هذا المكان
أيها المستطلعون والمستطلعات: إذا دارت اللوالب فمن بقى له من العمر خمس سنوات، فهو إذن مطوي في غياهب القبور منذ خمس سنوات، ومن بقى له من العمر اثنتا عشرة سنة فغايته بعد إدارة اللوالب سنتان، أو عشر مجرمات فهو ميت عند بداية الدوران
ثم نظر إليهم كما ينظر دلال المزاد، ونادى فيهم: أقابلون؟ (أنضبط) اللوالب على الميعاد؟
فما أتمها أو كاد، حتى خلا المكان إلا من خمسة أفراد: صاحب الأمنية، وفيلسوف، ومخترع، وفنان، ورجل من الزهاد
قال الراوي: فعجب أصحاب اللوالب من هذا الحشد الصاخب، والجيش اللاجب، ما بين زائغ ورائغ وهارب، وطفقوا يعجبون من قلة من يعيش للمعرفة والحكمة، وكثرة من يعيش للنفس واللقمة، وشاقهم أن يسألوا أولئك الخمسة ما بالهم قد طاب لهم المقام، فلم يتفرقوا مع الزحام؟
ومال صاحب اللولب على الفيلسوف يسأله: ما بالك لم تذهب مع الذاهبين؟
قال: إذا جمعت خلاصة العمر في لمحة فما أنا من الخاسرين
وسأل المخترع: وأنت ما بالك لم تذهب مع الذاهبين؟
قال: إذا حكيت لوالب الزمن فقد عفيت على المخترعين، وقبضت على زمام القرون، فإني إذن لمن الخالدين
وسأل الفنان: وأنت ما بالك لم تذهب مع الذاهبين؟
قال: لعلي أستخلص زبدة البقاء، من هذه السنين الجوفاء، فأصونها في رمز ثمين، أو تمثال مبين