أهل الأدب أديم صحيح، وعندئذ يصح عند الزعماء أن دنيا الأدب دنيا حقد غيظ وليس فيها مجال للفكر الثاقب والرأي الرشيد، فيكتفون بالزاد الخبيث الذي يقدمه إليهم الأفاكون من أشباه الأدباء. قاتلهم الله أنى يؤفكون:
سعد زغلول أعز أدب مصطفى المنفلوطي
وعبد الخالق ثروت أعز أدب طه حسين
ومحمد عبده أعز أدب حافظ إبراهيم
فهل تعرفون بعد هذه الأسماء أن زعيماً مصرياً عاون على خلق الفرص لأديب جديد؟
وكيف نصل إلى التعاون المنشود والعوائق تقوم من الجانبين؟
فالأدباء ينفرون من الاتصال برجال السياسة خوفاً من تهمة الوصولية
والساسة لا يعرفون من الأدب إلا أنه وسيلة للدعايات الحزبية وبين خوف أولئك وغرض هؤلاء تضيع الفرص على الأدب الصحيح الذي يمثل ما في المجتمع من آراء وأهواء، وحقائق وأباطيل.
أما بعد فالأدب في خطر، لأن أصحابه في عزلة عن الساسة، والساسة يملكون أكثر الوسائل في توجيه المجتمع، لأن الحاكم يملك في اليوم الواحد ما لا يملك الأديب في الأعوام الطوال
فإن كنتم في ريب مما أقول فتذكروا حوادث التاريخ، فقد كان الناس منذ أقدم العصور يعرفون أن الأدب لا بد له من سناد ليؤدي واجبه على الوجه الصحيح، وسناد الأدب هو الدولة، والدولة هي الساسة الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأحسن القول هو التوجيه الذي يصدر عن كبار الأدباء
أليس من العجب أن يكون قدماء اليونان أعقل منا وبيننا وبينهم أجيال وأجيال؟
ومن أجل هذا كان الأدب اليوناني القديم غنياً بالحديث عن سياسة الأمم والشعوب، كذلك كان الأدب العربي في العصور التي ازدهرت فيها الحضارة الإسلامية، فلما خمدت جذوة العرب تخاذل الأدب وترك الحديث عن السياسة العالية ليتحدث عن المنافسة بين الربيع والخريف، وليكثر القول في الألغاز وخصائص الأيام والأسابيع
أين ما دعوت إليه ألف مرة من خلق الصلات الروحية والذوقية والقومية بين الساسة