للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والأدباء؟

إن طالت هذه الجفوة بين هاتين الطائفتين فسيكون مصير الأدب من أقبح المصاير، فسيحصر وهو راغم في الحديث عن مشكلات الحاجة خدوجة والمعلم مشحوت!

وأين الأديب الذي قضى سهرته في منزل سعد زغلول ليلة الحادث الذي خرج به الجيش المصري من السودان ليخلق منه قصة أروع من قصة الزوج الذي خانته زوجته الحسناء؟!

وأين الأديب الذي قضى سهرته في منزل علي ماهر في الليلة التي مات فيها جلالة الملك فؤاد ليصور عواطف الوزراء في قلقلات التاريخ؟

وأين؟ وأين؟

تلك أيام خلت، فليستعد الأدباء لفهم هذا القول، فقد ينفعهم في الأيام المقبلات

حصار مزعج

ويمكن بعد هذا أن ندرك بوضوح أن الأدباء يعانون ضرباً من الحصار المزعج، فهم بعيدون عن الأوساط السياسة خوفاً من تهمة الوصولية، وهم بعيدون من الأجواء الشعبية خوفاً من تهمة الإسفاف، وهم بعيدون من الأوساط الفنية خوفاً من تهمة النزق والطيش، فقد شاع صدقاً أو كذباً أن الفنانين لهم بدوات تخرج عن الوقار في بعض الأحيان

نحن إذاً في حصار. ومع ذلك يطلب منا أن نصف جميع طبقات المجتمع، وأن يكون أدبنا صورة صحيحة لما يثور في ضمير المجتمع من عواطف وآمال

وأنا أشهد على نفسي بالمرض من هذه الناحية، فأنا أجانب رجال السياسة مجانبة مقصودة، لأني أتوهم أن اتصالي برجال السياسة قد يصورني أمام الجمهور بصورة من يطلب الصيد. وقد حاولت إبراء نفسي من هذا المرض فلم أفلح، وكان من آثار هذه العلة أن تمضي الأعوام ولا أنتفع بمحادثة زعيم أنقل عنه وينقل عني، فعندنا بالتأكيد آراء وأفكار قد تنفع الزعماء بعض النفع، وقد توجههم إلى التعصب للأدب الرفيع، وهو في حاجة إلى عصبية قوية ترفع ما يعترض طريقه من عقبات وأشواك

وقد أزعجت قراء الرسالة مرات كثيرة باقتراح لم أجد من يصغي إليه، وهو أن يكون للأدباء مكان في الحفلات الرسمية، فجميع الطوائف تمر في خواطر رجال الدولة عند المناسبات الخطيرة ولا ينسى غير الأدباء. وإلا فأين الأديب الذي دعي بصفته الأدبية إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>