ويزيد الحرج حين يكون الأديب موظفاً، فهو لا يدعى لأية حفلة رسمية إلا حين يصل إلى درجة مالية تضيفه إلى طبقات الأعيان، والعياذ بالذوق!
والدرجات المالية للموظفين هي الميزان في كثير من الشؤون، ولا سيما شئون التشريف. ويكاد يكون من المستحيل أن يمر الموظف في خاطر أية جهة رسمية إلا بعد أن يصل مرتبه إلى كيت وكيت، ولو كان من أقطاب الأدب والبيان
وكان المأمون أن يعتدل الميزان في وزارة مثل وزارة المعارف وقد تولى شؤونها وزراء من رجال الأدب أمثال: محمد علي علوية، ومحمود فهمي النقراشي، ومحمد حسين هيكل. ولكن الأمور ظلت تسير في طريقها القديم، فلم يستفد الأدب شيئاً من الوزراء الأدباء، وإن كنت أذكر بالخير الكثير أن بعض هؤلاء راعى منزلتي الأدبية فتناسى أني تطاولت عليه في إحدى المجلات!
قد يقال: إن الدولة تفتح باباً من الشر حين تفكر في الاعتراف الرسمي بالقيمة الأدبية، فكل إنسان يدعي أنه أديب، وأن له حقاً في حضور الحفلات الرسمية!
وأجيب بأن الأدب لم يعد فوضى كما كان في الأزمان الخوالي، فالجمهور يكاد يتفق على الإعجاب بأفراد معدودين هم عنده الطبقة الأولى من الأدباء، وهو كذلك يعرف من هم رجال الطبقة الثانية ومن هم رجال الطبقة الثالثة، فما الذي يمنع من أن يكون في ذهن الدولة صورة لأدباء الطبقة الأولى لتفكر في دعوتهم إلى الحفلات الرسمية، كما تفكر في دعوة من يمثلون بعض الجوانب من حياة المجتمع؟
أليس من العجيب أن يشهد الحفلات الرسمية بعض المجهولين من موظفي السفارات والقنصليات، ثم يحرم رجال الأقلام من شهود تلك الحفلات، ولهم فيها زاد نفيس هو تذوق ما في المجتمع العالي من دقائق تعود على القلم بأجزل النفع؟
إن وزير المعارف اليوم هو صاحب المعالي محمد حسين هيكل باشا، وقد سألت عنه زملائي بالمعارف فأكدوا لي أنه الدكتور هيكل، الأديب المشهور الذي كان يحامي عن الأدب وأهله في جريدة السياسة، وأجمعوا على أنه هو بعينه صاحب كتاب (ثورة الأدب)
والحق أن وزيرنا الجديد فيه مشابه من الدكتور هيكل، وإن كنت أخشى ألا يكون إياه، فمن