ونناقش الآن موقف أمريكا في هذا المجال، فإن كانت مصالحها في أوربا لا تدفعها إلى دخول الحرب والاقتصار على إمداد إنجلترا بالعتاد الحربي فإن مصالحها في الشرق الأقصى رغم اتساع المحيط الهادي تدفعها إلى الاحتفاظ فيه بالتوازن الدولي بجميع الوسائل ومنها الحرب
المصالح الأميركية
فقد تضاعفت تجارتها في الصين قبل حربها مع اليابان حتى بلغت ستة أمثال ما كانت عليه، فأصبحت ٢٥٠ مليون دولار؛ فإذا اعتبر هذا المبلغ بسيطاً بالنسبة لأمريكا، فإن زيادته المطردة وتضاعفه في فترة قصيرة مما يبعث كبير الأمل في نفوس الأمريكيين ولا سيما أن الصين بدأت تأخذ بأساليب الحضارة الحديثة من صناعية وزراعية
واستيلاء الروسيا أو اليابان على الصين يقضي على التجارة الأمريكية فيها، ويهدد أميركا ودولها بالغزو، فبنت أمريكا سياستها في الشرق الأقصى على ألا تكون لإحداهما فيه إمبراطورية واسعة تضم إليها الصين، ومن ثم يسهل عليها الاستيلاء على الجزر الواقعة في المحيط الهادي وأهمها الفلبين وهاواي، وعندئذ يتاح لها أن تغزو أية دولة شرق المحيط الهادي، وتتخذها قاعدة لتهديد الولايات المتحدة تهديداً مباشراً
ومن سياسة أميركا في الشرق أيضاً أن تثبت أقدام الدول الأوربية فيه، حتى لا تكون مهمة حفظ التوازن واصطدام المصالح قاصرة عليها، فعندما اشتدت حركة الحصار الياباني على تيانتسين، واتخذ اليابانيون مع البريطانيين وسائل قاسية تدخلت أميركا وهددت اليابان بقطع العلاقات التجارية
ولتهرب اليابان من المسئولية الدولية بنت سياستها على المكر والدهاء، فألفت حكومة صورية في منشوكو لتنفذ بها سياستها؛ فعلى حكومة منشوكو أن تزرع وعلى اليابان أن تجني الثمر ناضجاً، فمنطقة شنغهاي مثلاً منطقة دولية موزعة على الدول، فتلبس حكومة منشوكو قفاز اليابان وتطالب الدول بإخلائها، فإذا احتجت الدول إلى اليابان على أنها المحرك الأصلي قالت إنها غير مسئولة عن تصرفات حكومة أخرى مستقلة