فقلت: ومن أجل هذا النعيم يوصي بعض الفلاسفة بأن تكون مدافنهم في ثنايا الأمواج.
ثم رجعنا إلى القاهرة لنأنس بالعيش الرَّتيب من جديد.
فإن سألتموني: أين كنا؟
فأنا أجيب: كنا في رحلة صوفية، وكان معنا عقل دي كومنين وبلاغة كانري وعُذوبة عبد الوهاب، وكانت معنا أشياء، فلا تسألوا عن أشياءَ إن تُبْدَ لكم تزدكم أسفاً على الحرمان من أطايب الوجود. . . وهل كانت تلك الأشياء إلا القلوب الأواهل بأرواح الصفاء؟
خطاب ضائع
كان صديقنا الأستاذ صادق عنبر - طيب الله ثراه! - قد نشر في مجلة (النهضة النسائية) سنة ١٩٢٧ خطابات غرامية قال إنه وجدها مُلقاة في الطريق، وصحَّ عندي يومئذ أنه ابتدع تلك الخطابات، فكتبتُ إليه من باريس أهنئه على ذلك البِدع الطريف، فأجاب بأنه لم يبتدع تلك الخطابات، وإنما وجدها مصادفةً في شارع الدواوين وهو ذاهب إلى جريدة الأهرام، ولم أصدِّقه فيما ادعاه فتعقبتُه في جريدة البلاغ بمقال لاذع بدَّد ما كان بيني وبينه من وداد.
ثم تشاء الأقدار أن تصحح رأيي في ذلك الصديق المظلوم فقد وجدت أن أيضاً خطاباً ضائعاً، وجدته في شارع فؤاد وأنا ذاهب للسَّمَر مع الأستاذ (وحيد بك الأيوبي) في قهوة السلام بميدان إبراهيم، وأطلعتُ عليه جماعة مت الفضلاء الذين صادفتهم هناك.
وإلى القارئ فقرات من ذلك الخطاب الضائع، ستَر الله كاتبه وهداه!:
(تعاتبين؟ تعاتبين؟ وما الموجب للعتاب وقد صدَّ قلبٌ عن قلب، وزهد روح في روح؟!
ومن تعاتبين، يا شقية، وقد انتهى عهد العتاب، ولم يبق من الذكريات غير أطلال؟
لا أراك الآن إلا حجراً أصم أبكم، لا يسمع ولا يتكلم، وإن كنتِ تحسنين زُخرفَ القول حين تكتبين إليّ من حين إلى حين. . .
وتقترحين أن أزورك في مدينة. . . فهل تظنين أني أطرب لزيارة مدائن الأموات؟
تلك غمرة من غمرات الكرب عانيتها حين توهمتك إنسانة لها وعي وإحساس، ثم لطف الله فأفقت، وما كنت احسبني أفيق