للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتخلصت الحشرة من أعدائها، وكذلك ربط الضرب الأخضر على نبتة خضراء فسلمت من الأعداء أيضاً. ولكن عندما ربط الحشرات السمراء على نبتة خضراء والخضراء على نبتة ذابلة، سرعان ما اجتاحتها الطيور عن آخرها. فلو أصبحت إيطاليا مثلا بقعة جرداء إذن لانقرض الجراد الأخضر فيها عن آخره، ولبقى الجراد الأسمر فقط، والعكس بالعكس. هذا مثال لما نسميه بالانتخاب الطبيعي أو ما نعبر عنه بغربلة الطبيعة

الانتخاب الصناعي

رأى دارون أن يستعمل تعبير (الانتخاب الطبيعي) تمييزا له عن الانتخاب الصناعي الذي يقوم به الإنسان فإذا أعجب المربي بضرب جديد أزوجه بآخر يشابهه على قدر المستطاع، ويبادر إلى النسل فيغربله منتزعاً الضروب التي لا يريدها ومحافظاً على الضروب التي يريدها. وهكذا نستطيع أن نميز عمليتين مزدوجتين في الانتخاب الصناعي وهما: (١) تزاوج الأفراد المتشابهة المرغوب فيها (٢) إقصاء الأفراد غير المرغوب فيهم

ولكن ترى من يقوم مقام المربي المنتخب في حقل الطبيعة، للإجابة على هذا السؤال يمكننا أن نستعين بالفكرة التي أدخلها (دارون) و (ولس) في نظرية التطور وهي فكرة الانتخاب الطبيعي التي تعني غربلة الطبيعة للنشآت الجديدة خلال التناحر على البقاء.

التناحر على البقاء

لقد استعمل دارون هذا التعبير بمعنى واسعي ومجازي فشمل اتكال البعض على الآخر، وعلى الأخص نزوع الفرد إلى الحياة وتكثير ذريته. فلكي نفهم فكرة دارون يجب أن نشاركه في نظريته الواسعة لأنه عنى بالتناحر على البقاء أكثر من نضال مستميت في سبيل الغذاء.

تميل المخلوقات الحية إلى التكاثر، ولكثير منها نزعة شديدة للحياة لا تقف مطامعها عند حد فهي عاصية متمردة تستنكر التغيرات المقيدة لحريتها في البيئة التي تعيش فيها. وفي وسط هذه الميول والنزعات يجري التناحر على البقاء - أو التصادم بين العضويات الحية وحواجز بيئاتها. على أن ذلك النزاع المستمر قد يؤدي إلى فناء البعض، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى التعاون بين أفراد البعض الأخر، وقد يكون لأجل التوطن والحصول على الغذاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>