النفس اليوم، مُفادُها: المرأة التي يجذبها الحب وتخاف منه، والرجل الذي يريد الحب ولا يعرف قدره، ثم الرجل الذي يريده ولا يستحقه. وهذه قضية من قضايا النفس البشرية، لا علاقة لها بالمسائل الفلسفية الصرفة اللاحقة بنظرية المعرفة واليقين، وما يدخل في باب ما وراء الطبيعة الذي أورده الأستاذ العقاد في قصيدته، ومرده إلى فلسفة (كانت)
والمذهب الذي نزع إليه بشر فارس في مسرحيته، قد بسطه في توطئة مسرحيته بسطاً محكماً، إذ قرر أنه آخذ بالطريقة الرمزية فلسفة وأدباً وفناً، فقال في صحيفة ٦:(وليست الرمزية ههنا بموقوفة على الرمز بشيء إلى شيء آخر، ولكنها فوق هذا استنباط ما وراء الحس من المحسوس، وإبراز المضمر، وتدوين اللوامع والبواده بإهمال العالم المتناسق، المتواضع عليه، المختلق اختلافاً يكد أذهاننا، طلباً للعالم الحقيقي الذي نضطرب فيه، رضينا أو لم نرض، عالم الوجدان المشرق والنشاط الكامن والجماد المتأهب للتحرك، إلى ما يجري بينها من العلاقات الغريبة والإضافات التائهة في منعطفات الروح ومثاني المادة، يشترك في كشفها الإحساس الدفين والإدراك الصرف والتخيل المنسرح)
فالمذهب الفلسفي عند بشر فارس غير المذهب الفلسفي عند الأستاذ العقاد.
(العقاد) مذهبه النزول إلى ظواهر الدنيا والاطمئنان إليها من غير أن يهمل الحقائق كل الإهمال، و (بشر فارس) مذهبه الاعتماد على البصيرة والإحساس الدقيق والإدراك الصرف مع إهمال ظواهر العالم وطلب خفاياه وبواطنه، وهذا من المذهب الباطني أو التصوفي، وهو مذهب معروف عند أفلاطون وبلوطنيوس والمتصوفة على أشكالها، وقد أحكم أمره أخيراً الفيلسوف الفرنسي (برجسون وأيدته تجارب عدد من العلماء والأطباء فيما يتعلق بالعقل الباطن. وقد أسهبت في تبين هذا المذهب في المناقشة التي دارت بيني وبين بشر فارس نفسه في (الرسالة) منذ عامين.
وقد أحدثت آراء (برجسون) بدورها تيارات واسعة تأثر بها كثير من الكتاب، وأحدثت نوعاً من أنواع الشعر الرمزي في فرنسا.
فأين بصيرة (برجسون) التي أخذ عنها بشر فارس في معالجته قضية من قضايا النفس البشرية، وذلك في مسرحية (مفرق الطريق)، من المسائل الفلسفية الصرفة اللاحقة بنظرية المعرفة واليقين للفيلسوف (كانت التي تأثر بها الأستاذ العقاد في قصيدته (القمة الباردة)؟