إذن يكون حقاً من عجائب الفهم أن يتهم (الناقد الأديب) بشر فارس بأنه أخذ مسرحيته هذه من تلك القصيدة.
ويكون أيضاً من عجائب الفهم ومدهشاته أن يلج (الناقد الأديب) في اتهامه هذا، محاولاً أن يقيم الشواهد على ما ذهب إليه، فإذا هو يتعسف، بل هو يغالط ولا يبالي أن يحرف المسائل عن مواضعها، فقال إن في قصيدة العقاد يعيش العقل متجرداً من الشعور في عالم ثلجي لا يشعر فيه بحياة. فأين ورد هذا في قصيدة العقاد وتقديمها؟؟
كذلك أورد (الناقد الأديب) ألفاظاً كالعقل والشعور والثلج، وقد غاب عن ذهنه أن الثلج عند (العقاد) رمز إلى ابتعاد المرء عن ظواهر الدنيا وتقربه من الحقائق وتمسكه بالفكر المجرد. هذا في حين أن (الثلج) عند بشر فارس، رمز إلى خلاص النفس من ألم الإحساس البشري.
وتورط (الناقد الأديب) فيما هو أدهى من هذا، وهو يحاول أن يقرب مسرحية (مفرق الطريق) من قصيدة (القمة الباردة) للعقاد فنسب تصميم رسم غلاف المسرحية إلى بشر فارس نفسه، والواقع أن صاحبة الرسم فنانة باريسية اسمها (سوزان جوفروا) كما هو موضح في الصفحة الأولى من المسرحية المطبوعة. وقد شرح المؤلف وضع المسرح في (التبيين) الذي صنعه للمسرحية (ص ١٤٠) مشيراً إلى رمز الغلاف، ولم ترد في تبيينه كلمة (قمة) ولا (غور)
بعد هذا يأتي اتهام آخر له وزن فيقول (الأديب الناقد) إن الصراع (بين العقل والشعور) وهو مما ورد في مسرحية بشر فارس، منقول بإطاره من قصيدة للشاعر علي محمود طه المهندس عنوانها (قلبي)
والرد على هذا أن الصراع بين العقل والشعور حقيقة من حقائق النفس البشرية، فهي عامة ومبذولة لكل كاتب، وما نعرف كاتباً أو شاعراً - إلا فيما ندر - لم يبن على هذه الفكر بعض مؤلفاته. وإلى القارئ أعمال (راسين) الفرنسي و (شكسبير) مثلاً شاهدة على ذلك. وما (الشاعر المهندس) إلا واحد ممن أخذوا بهذه الفكرة العامة. وستبقى هذه الفكرة، كما كانت دائماً، معيناً بأخذ منه الكتاب ما دامت النفس البشرية لم تتغير، وما دام الكتاب يعنون بتسجيل خفايا هذه النفس.