ولا نعتقد أن أنباء الاتفاق الأخير بين رومانيا من ناحية والمجر وبلغاريا من الناحية الأخرى على إعطاء الدولتين الأخيرتين بعض ما تطمعان فيه في رومانيا اتفاقاً نهائياً، فهو كما يبدو لنا مجرد تهدئة أعصاب لا يلبث أن يمحى عندما تضع الحرب أوزارها، لأن معناه أن تخرج ألمانيا من البلقان صفر اليدين وهذا ما لا ترضاه، إذ من الراجح أن تكون يوجوسلافيا من نصيب إيطاليا بحكم قربها منها ولطول سواحلها على بحر الإدرياتيك مما يهدد سيادة إيطاليا البحرية في الصميم؛ والغالب أن تنقض ألمانيا هذه الاتفاقات عندما تسنح لها الفرصة لتحقق أطماعها في البلقان سواء بالسيطرة التجارية أو العسكرية.
فرنسا تعتنق الهتلرية
نعم فرنسا التي كانت تدين منذ عهد الثورة الفرنسية بمبادئ الحرية والمساواة والإخاء، تقبر الآن الحرية والمساواة والإخاء لتقلد الهتلرية، فينادي قادتها بالديكتاتورية ويدعون إلى ترك المبادئ التي طالما كانت تضئ للعالم سبل المدينة والتقدم، لترجع إلى مبادئ القبيلة، لتقدس الأسرة بعدما كانت تقدس العالمية، وتعمل للفرد بعدما كانت تعمل للعالم، فتنكمش مثلها العليا من التعميم إلى التخصيص، وتنحصر أفكارها فبعد ما كانت تقود العالم بآراء مفكريها، ومبادئ أهلها، تزول عنها الصبغة الدولية لتحل محلها صبغة الأسرة.
وسبقتها ألمانيا في هذا السبيل من قبل، وفي مثل ظروف الهزيمة واليأس التي تعانيها فرنسا الآن، ولكن ألمانيا في عهد غليوم الثاني كانت أقرب إلى الدكتاتورية منها إلى الديمقراطية؛ تكونت في عهد ولهلم الأول وبسمارك دولة حديثة العهد لم تتم وحدتها إلا بعد حرب الأمم، فلم يتعاقب على وحدتها جيلان حينما حلت بها كارثة الحرب العظمى، ولم يشعر أهلها حتى ذلك الوقت بثقل وطأة النظام الفردي، فلم يقدموا المبادئ الديمقراطية ما قدمت فرنسا من ضحايا، ولم يحطموا من مظاهر الظلم والجور ما حطم الفرنسيون في سجن الباستيل، ولم تمر بهم خطوات التقلب من الملكية المطلقة، إلى حكومة الإدارة، إلى الإمبراطورية إلى الجمهورية.
لم تتقلب ألمانيا المتحدة في تجارب أنوع الحكم من جمهورية وإمبراطورية كما تقلبت فرنسا، فلم يتول حكم ألمانيا إلا عاهلان فتيسر لو لهلم الأول بناء وحدتها، وجاء غليوم الثاني فكان نكبة عليها، وظل الاتحاد الجرماني طول عهده بالحياة في ظل الحرب