وللاحتفاظ بالوحدة، ولم يفكر أهله تفكيراً جدياً في نظام الحكم الملائم.
تقليد غير موفق
فهل ينطبق هذا على فرنسا التي عاشت القرون الطويلة متحدة تجرب ألوان الحكم من فردية مطلقة، إلى فردية مقيدة، إلى حكومة شعبية؟ وهل يستطيع الفرنسي أن ينزع من قلبه حب الحرية ليعيش مقيد الحرية، محصور التفكير، تعد عليه أنفاسه وتفرض عليه تصرفاته كما يريد هتلر ونصيره بتان؟
كلا. إن حب الحرية في دم كل فرنسي، فإذا شغلته النكبة الحالية عن مبادئه، فلن يلبث أن يعود إلى رشده ويذكر حريته عندما تستقر الحال، فالصدمة الحالية لن تسلب الفرنسي الحقوق التي سطرها بدمه، فهو الآن في نوبة من الغيبوبة التي تزول عندما تزول الصدمة.
وهذه المظاهر التي أعلنها المارشال بتان إنما هي تقليد أعمى يخالف الثقافة الفرنسية، ويتنافر مع طريقة المعيشة الفرنسية، ولعل الدافع للمارشال بتان على هذا التقليد ما يراه من تشابه بين حال فرنسا الآن وحال ألمانيا عقب الحرب الكبرى، من انهيار استقلال أمته وتغير أقيسة المعيشة فيها؛ فإذا كانت هذه نظرته، فقد فاته ما بين الشعبين من اختلاف في التقدير والحالة العامة.
فقد خرجت ألمانيا من الحرب الكبرى بعد نضال دام أربع سنوات أكل الأخضر واليابس؛ فأنهكت موارد البلاد حتى عم الجوع وتضخم النقد حتى فقد قيمته الشرائية، وأصبحت ألمانيا في حالة إفلاس، وانتشرت البطالة والشيوعية بين الشعب، فلم يجد الناس عملاً يكتسبون الرزق من ورائه، وظهرت الفتن والثورات.
تشغيل العاطلين
في هذه الظروف برز هتلر فوزع الوعود ما وسعه الكلام، وما سمحت به الاستعارات؛ وكان الشعب في حالة اضطراب، لا يصدق أنه خسر الحرب بعدما بذل من جهد ومال، فقال لهم: ما جذبهم إليه إذ اتهم اليهود بأنهم سبب خسارة الحرب بما نسجوا من دسائس ومؤامرات.