للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البيضة وهو فيها، فإذا انفتحت فيها ثغرة أطل برأسه منها، فإذا رأى الدنيا أمامه نظر إليها عن يمينه وعن يساره، ثم إذا حلت له الدنيا عاد إلى البيضة، فإذا كره الحبسة فيها عاد فنقبها، حتى يتسع له فيها مخرجه منها، فينطلق من محبسه، جرياً، وقفزاً، لا ينظر إلى مثواه القديم، وإنما ينساه، وينجذب إلى أمه، يعرف أنها أمه، وهكذا يخرج الكتكوت من البيضة) فقال لها الأستاذ: (لو أنك انتبهت إلى نفسك وأنت تقصين عليَّ هذه القصة، لعلمت أنك قد ابتدعت رقصة، هي رقصة بريئة طاهرة ترضيك وتوافقك، وقد أخذتها أنا الآن عنك، وسأعود إليك بها غداً، مقسمة، منظمة، منغمة، مزيداً عليها تزاويق من عندي على الأصل الذي كان عندك، فإلى اللقاء غداً. . .

وفي الغد عاد الأستاذ بالراقصة. . . وليس في البيت أنوار ولا أستار ولا أنظار إلا أمها وإخوتها، وهؤلاء جميعاً يفيض من أعينهم الحب والإعجاب والتشجيع. . . فرقصت وأحسنت

فلما رآها أحسنت قال لها: (الآن تستطيعين أن تقصدي المرقص، وأن تتحدي الراقصات فيه بهذه الرقصة، فإذا كنت ستشعرين بشيء من التهيب أو شيء من الوجل فإني سأقف على قرب منك تجاه عينيك، فانظري إلي، وأرقصي لي، ولا ينشغل بالك بمن هم حولك، وانسيهم، وازعمي لنفسك أني سألتك ثانية كيف يخرج الكتكوت من البيضة وأنك تجيبين عن سؤالي هذا رقصاً. . . يا لله يا ماما. . . وهاك الشكوكولاته. . .

اضطربت قليلاً، ولكنها قامت معه.

ولم يكن باقياً على موعد البدء في العمل إلا يوم، ولم يكن عند صاحبة المرقص من الصبر ما تحتمل به اختبار راقصة جديدة بعد ما أعدت برنامجها واطمأنت لم نظمت به عملها. . . ولكن تحمس الأستاذ، وإصراره، وأيمانه التي كان يقسم يؤكد بها نجاح راقصته. . . كل هذا حمل العجوز على أن ترضخ وأن تصبر وأن ترى. . . فرأت عجباً. . . فناً رشيقاً بريئاً حلواً مبعوثاً من نفس بكر خالصة صادقة ساذجة ذكية ناصعة، موشى بحلي صاغتها روح هذا الأستاذ العارف المدرك الدقيق المتأنق. . .

فرضخت العجوز واعترفت. . .

وبدأت الراقصة العمل. . . ونجحت في الليلة الثانية، وواصلت النجاح بعد النجاح، وبدلت

<<  <  ج:
ص:  >  >>