الرقصات رقصة بعد رقصة، وتفتحت نفسها بعد ما كانت مظلمة معتمة وبارحها اليأس، وتبدل قنوطها فرحاً ومرحاً وبهجة وإيمانا ورضى. . .
ولكنها لم تنتبه إلى الأستاذ، لم يكن تطلق إليه روحها إلا وقتما كان يعلمها، ووقتما كان يقف لها على بعد أو قرب لترقص له. . . أما في غير هذين الوقتين فقد كانت تنشغل بالدنيا، وبما فيها، وبمن فيها. . . كلما قال لها واحد من الناس كلمة إعجاب صدقت أنها كلمة إعجاب، وما بالها لا تصدقها والأستاذ نفسه معجب بها. . . كان عليها أن تسأل نفسها: هل هؤلاء الذين يبدون الإعجاب بها يعرفون أين موطن الحسن فيها، وما مبلغ هذا الحسن وما مبعثه. . . ولكنها لم تفكر في شيء من هذا، ولكنها تلقت إعجاب الأستاذ، وحسبت أن الناس كلهم مثله، ثم راحت تحسب بعد ذلك فيهم ميزات ليست فيه هو، فهذا غني، وهذا وجيه، وهذا شباب، وهذا صحة، وهذا اسم، وهذا مجد، وهذا ظرف، وهذا تودد، وهذا هدايا، وهذا ولائم. . . وهذا وهذا. . .
أما الأستاذ فإنه لم يزد عندها على أن يكون معلمها وهدف فنها. . .
لم تفكر في أنه يحبها. انفرد بها يوماً وقال لها كلاماً كثيراً دس فيه أنه يحبها فسمعتها منه كما كانت تسمع منه كل شيء: حقيقة تتلقاها خالصة، وتستغلها. فلم يعد يعيدها
ومرت السنة.
وكان اسمها قد لمع. ولم يعد أحد يجهلها. الجمهور يتهافت عليها، والصحافة تتلقف أخبارها، ولمراقص تتنافس لتتعاقد معها. وهي ناعمة راضية. . .
والأستاذ عاشق يكتم العشق، وصار راض بأن تكون تلميذته الموفقة إن لم تكن له أكثر من ذلك.
وأقاموا لها حفلة يكرمونها. وانحشدت الدنيا في هذا الحفلة: العشاق، والهواة، والمعجبون، والمتطفلون، والزملاء، والأستاذ. . .
وألقيت الخطب، والقصائد، ونثرت الزهور والرياحين، وطالبوها برقصة (الكتكوت) فقال لها الأستاذ: (لا ترقصي) فقالت: (عجباً! ولماذا؟ لا بد أن أرقص، هؤلاء جميعاً جاءوا ليكرموني فلا أقل من أن أكرمهم برقصة. . . وهي بعد ذلك وقبل ذلك رقصتك التي علمتني إياها، ثم إني أريد أن أرقص)