- إذا كنت تريدين أن ترقصي فهيا إلى البيت أرقصيها بين أمك وأخوتك، وإني أذهب معك.
- وهؤلاء الناس؟
- هؤلاء الناس ليسوا شيئاً. إنهم ناس! بشر لا أكثر ولا أقل.
- وأنت ألست من الناس؟ ألست من هؤلاء البشر. . . هذه غيرة وغرور.
- قد تكون غيرة، ولكن أين منها الغرور؟ أنسيت أنك حتى الأمس لم ترقصي إلا لي. . .
- ومنذ اليوم سأرقص للناس لا أريدك أن تقف في طريقي.
-. . . أوروفوار!
. . . ولم تستغرق هذا التهامس إلا دقائق قليلة مرت بسرعة. . . ثم أشارت بعدها إلى العزاف فبدءوا اللحن، واعتدلت الرقص. . . وبدأت. . . وأخذت تطرد من مخيلتها صورة هاتين العينين اللتين اعتادت أن تسيل بفنها فيهما. . . وأخذت تسفك فنها في الفضاء وتنثره على عيون منها البلهاء، ومنها المتلصصة، ومنها السفاحة الخاطئة. . .
اضطربت المسكينة. وعاودتها تلك الرجفة التي دهمتها في ليلة المباراة الأولى، فسقطت كما سقطت إذ ذاك. وانقلبت حفلة التكريم إلى مأساة حملوها إلى البيت، وأرقدوها في الفراش، وتسللوا وتركوها بين أمها وإخوتها، ومعها مندوب من المرقص ليقف على خدمتها ريثما يطمئن على صحتها. . . ولكنها ظلت في غيبوبة تائهة. . . ولم تفق وإن كانت تردد نداءها للأستاذ.
ولم يكن أحد قد علم بشيء مما دار بينهما، فلم تر أمها إلا عجباً في انقطاع أستاذها عنها، فأرسلت إليه تستدعيه، ولكن الرسول عاد يقول لها أن الأستاذ مريض هو أيضاً وإن لم يكن طريح الفراش. فعادت وأرسلت إليه فجاءها. . .
دخل إلى تلميذته المريضة متثاقلاً من تعبه، محطماً من تلك اللطمة التي تلقاها إذ اعتبرته واحداً من الناس، من هؤلاء الناس.
جلس إلى جانبها، ومد يده فأمسك بيدها، ففتحت عينيها فلما رأته قالت له بصوت متكسر:
- سامحني يا أستاذ
- إنك لم تسيئي إلي، فليس ما حدث إلا قضاء الله، وأنا الذي أرجو أن تسامحيني أنت.