هي محنة جديدة لم تخلُ أخبارها من جديد، والله الحفيظ أبَعدَ الحديث عما في المدارس من أفنية وملاعب يجيء الحديث عما في المدارس من مخابئ وسراديب؟
وأنا مع هذا أرحّب بهذه الشدائد، فالأمم لا تضعُف إلا حين يسود فيها الأمان، والأمن نعمةٌ عظيمة جدّاً، ولكنه يغري بالطمأنينة وهي ضربٌ من السكون، والسكون نذير الخمود.
السوريون في مكاره الاغتراب
وهنا تسنح الفرصة للجواب عن سؤال وجَّهه إلينا الأستاذ محمد حلمي وقد لا حظَ أن السوري المسلم والسوري المسيحي يختلفان في النشاط وفي الحظوظ حين يهاجران إلى أحد البلاد العربية؛ مع أنهما انحدرا من بلد واحد ومن جنس واحد، ثم سأل: أيرجع ذلك إلى فروق خفية بين العقلية الإسلامية والعقلية النصرانية؟
وأجيب بأن ذلك لا يرجع إلى فروق ظاهرة أو خفية بين الديانتين، وكيف والإسلام دين جهاد، وهو يدعو أبناءه إلى الكسب والمعاش والاضطراب في بقاع الأرض، على حين تدعو المسيحية أبناءها إلى الزهد في المنافع الدنيوية والتطلع إلى المصاير المأمولة في رحاب السماء؟
إنما برجع السبب إلى أن السوري المسلم حين يفد على أحد البلاد العربية يندمج بسرعة في البيئات الإسلامية بسبب اتحاد الدين: فتنزل عنه وحشة الاغتراب، ويذهب عنه الخوف، ولا يشعر بالحاجة إلى التسلح بالمال، وهو عماد المغتربين.
أما السوري المسيحي فيشعر بأنه بعيد بعض البعد عن المجتمع وهو مجتمع إسلامي، وبذلك تقوى فيه القدرة على الكفاح في سبيل الحياة ليعوِّض ما فاته من الأنس الذي يوجبه اتحاد الدين.
ويظهر هذا لجيَّا حين نتمثل حالة السوري الذي يهاجر إلى أمريكا وهو مسيحي، فإنه في أمريكا أقوى في أي بلد عربي، لأن البلد العربي يوافقه في اللغة وإن خالفه في الدين، أما أمريكا فتخالفه من جميع النواحي وإن وافقته أحياناً قليلة في النحلة المذهبية، وكذلك نرى السوري المسيحي في أمريكا أقوى من أخيه في الشرق بسبب ما يعانيه هنالك من قسوة الاغتراب.
ولن يطول اختلاف الحظوظ بين السوري المسلم والسوري المسيحي في البلاد العربية،