الناس إليّ أو تغريهم بصحبتي، فإذا أنفقت الوقت بحثاً وتنقيباً في أرجاء نفسي الموحشة المقفرة فإنما يدفعني إلى ذلك الأمل في أن أستكشف في بعض شعابها معدناً نفيساً له شيء من البريق) فهذه صورة صبيانية للتأمل والتفكير، فالذين يستغرقون في التأمل في أنفسهم إنما يجدون فيها ما يغنيهم عن الاختلاط بالناس، فهي ليست نفوساً مقفرة موحشة، وإنما هي نفوس غنية ملأى بالحياة، وبما في الحياة من خير ومن شر، ملأى بالعواطف والنزعات على اختلاف ألوانها، ملأى بالعزائم، ملأى بالمآسي، ملأى بالأفراح. . . ثم إن أولئك الذين يعمدون إلى أنفسهم ليستخلصوا منها العلم لا يأخذهم مطلقاً البريق، ولا يطلبون مطلقاً ما هو لماع. . . فكل ما يطلبونه هو المفيد النافع الذي يستطيعون باستغلاله وتنميته أن يربوا إنسانيتهم. . . ولكن الأستاذ يظن الفنانين (مخابيل) ويظن أنه إذا أدعى الخبل اعتبره الناس فناناً، وإنه يدعي الخبل في أكثر من موضع في هذا الكتاب، فهو إذا كان في مجتمع نام، وهو إذا عهد إليه بعمل أهمله، وهو إذا كان في سيارته لم يعرف أين هو ولا متى خرج من بيته ولا متى يعود إليه، وهو حين يسمو جداً جداً في الفن يحادث بائع الذرة وكناس الجهة متبسطاً متواضعاً، وهذه أعمال تصدر عن الناس عفواً فلا يذكرونها، وتصدر عن الفنانين دوماً فلا يعلقون عليها، ولكن الذين يهتمون بها هم الهواة، وهؤلاء الهواة يحبون أن يقال عنهم إنهم مبعثرون، وإنهم متواضعون، وإنهم وإنهم. . . لأنهم يظنون أن الفن هو هذا، أو أن هذا هو أهم ما في الفن.
والآن تعال إلى هذه الدعوى العجيبة التي يدعيها الأستاذ إذ يقول إن الكاتب الحق لا يستطيع أن يكتب للسينما. . . وقل لي ما رأيك في شكسبير، وهيجو، وشو، ومارك توين، وتولستوي، وغير هؤلاء من الكتاب الذين أخرجت السينما آثارهم الفنية ووصلت بها إلى قمة المجد الفني. . . أليس هؤلاء كتاباً حقيقيين مساوين للأستاذ توفيق الحكيم؟. . . إنه يفر من هذا المأزق ويقول إن الكاتب الحق هو الذي يتجه إلى الكليات ولا يتجه إلى الجزئيات، فهو الذي يضع أشخاصاً يتكلمون، لا كلاماً لأشخاص. وأنا لا أدري هل الخياط الحق هو الذي يستطيع أن يصنع الأزياء للناس، أو هو ذلك الذي يصنع الناس للأزياء. إني موقنة أنه الأول، لأن الثاني هو الله سبحانه وتعالى وحده.
وأخيراً أختم خطابي هذا بالرد على ما يطعن به الأستاذ الحكيم المرأة المصرية إذ يقول