ارفع البصر إلى حيث ترى مجموعة الدب الأكبر أو السبعة النجوم كما يُسمهيا الكثيرون، وهي مجموعة من النجوم لا تمت لشمسنا بأي صلة قريبة، بل هي بعيدة عن جد البعد. فبينما تبتعد الشمس عنا بمقدار ثمان دقائق ضوئية (أي يصل ضوء الشمس إلينا في ثمان دقائق) تبتعد هذه المجموعة عنا بمقدار يزيد في بعضها عن ٢٠٠ سنة ضوئية، وأنظر ملياً إلى أخفض نجمين في هذه المجموعة واذهب إلى يمينك بنظرك مسافة تبلغ سبعة أضعاف المسافة بين هذين النجمين الخفيضين تر النجم القطبي ويبتعد عنا حوالي ٧٠ سنة ضوئية، ويعين لنا جهة الشمال، وما الشمال إلا كلمة اصطلاحية لا تدل إلا على أمر اتفاقي، وهو الجهة التي يحددها لنا هذا النجم الذي نعتبره ثابتاً بالنسبة إلينا وبالنسبة للأحقاب التي يحيا فيها الجنس البشري، وإن كان أبعد الأشياء إلى الثبات بالنسبة لمجموع الكون، وبالنسبة لأحقاب أطول بكثير من ملايين السنين التي عاشها ويعيشها الإنسان، ومع ذلك فكل ما نراه من النجوم بعيداً عنا ثابت إلى حد ما بالنسبة لنا، وحركتنا حول أنفسنا وحول الشمس هي التي تجعلنا نرى تغييراً ظاهراً في مركز هذه النجوم، وما الشمال وتحديده بالنجم القطبي إلا اختيار كان يصح أن يقع على غيره من النجوم، فهو اتفاق يشبه اتفاقنا على أن اليوم ٢٤ ساعة وأن الساعة ستون دقيقة. فقد كان يصح أن نعتبر اليوم عشر ساعات والساعة مائة دقيقة، وعندي أن اتفاقاً كهذا أقرب إلى منطق الأرقام عن اتفاق الأربعة والعشرين قسما السالفة الذكر ,
ثم جل بنظرك بعد ذلك بعيداً من النجم القطبي وجهة اليمين أيضاً تر (دنيب العظيم ويسمونه بالعربية الشعرة اليمانية في مجموعة ذنب الدجاجة تصطدم فوتوناته بشبكة العين بعد تسع سنوات ضوئية، وهي رحلة عظيمة بالنسبة إلينا ولكنها صغيرة في الكون المحدود، وإذا تركت هذه المجموعة القريبة رأيت مجموعات أخرى تبتعد عنا بآلاف وملايين من السنين الضوئية وساعدنا المنظار على رؤيتها.
إن هذه الفوتونات الضوئية التي تصل إليك الآن مسافرة من بعض هذه المجموعات قد بدأت رحلتها ولا شك قبل حروب نابليون، وقبل فتوحات الإسكندر بل وقبل مدنية المصريين، وشاءت الظروف ألا تصطدم طوال رحلتها بأي شيء تتعثر فيه وإلا كنا لا نرى هذه النجوم التي تبعث لنا أضواءها.