وكان سعد خطيباً من الطراز الأول بشهادة الأكثرين، وقد حضرت له خطبتين إحداهما في بيت البكري بعد رجوعه من باريس عقب انفضاض مؤتمر الصلح، والثانية في مصر الجديدة أيام ثورته عل المرحوم عدلي يكن، ثم حضرت له خطبة ثالثة في مجلس الشيوخ يوم احتل الإنجليز الجمارك بعد مقتل السردار في سنة ١٩٢٤، وفي هذه الخطب الثلاث لم أصدِّق أن منزلته الخطابية تساوي شهرته الشعبية، ومع هذا لا يمكن التغاضي عن سعد الخطيب، فقد كان أقدر الناس على خلق الانقلابات، وخطبته بشبرا أيام (وزارة الثقة) هي مصدر التقلبات السياسية التي ظلت تقلقل حياة مصر إلى هذا اليوم. وعلى الرغم من أنه لم يرضني خطيباً فما أزال أذكر كيف كان يخرج الحروف بأصوات ونبرات هي الشاهد على أنه كان في الخطابة من الفنانين
ثم حضرت خطبه مرة رابعة وخامسة فلم يتحسن رأيي فيه، فهل كان للعداوة السياسية تأثير في حكمي على ذلك الخطيب الذي بهر الجماهير زمناً غير قليل؟
المهمْ أن نسجل أن سعد باشا عاون معاونة جدية على صيانة اللغة العربية من عبث الجاهلين بأسلوب الأدب وأسرار البيان
ثالثاً - ترفق سعد بالتقاليد حتى ليمكن الحكم بأنه كان يكره الانقلابات الاجتماعية، وهو الذي صدنا عن لبس القبعات سنة ١٩٢٧، ولولا مقاومته ومقاومة الأمير عمر طوسن لجرينا في الطريق الذي جرى فيه الأتراك. وهذه المسألة تبدو في صورة المسائل الشكلية، ولكن لها جذوراً أعمق من ذلك، فلو أننا كنا جارينا الأتراك في ترك الطرابيش لكان من الجائز أن نجاريهم في كتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، ولكان من الجائز أن نسايرهم في اضطهاد رجال الدين، وهذا وذاك من الأغلاط التي وقع فيها الأتراك مجذوبين بتيار الانقلاب
كان سعد من المحافظين ولم يكن من الرجعيين، وكان على محافظته حر الفكر إلى أبعد الحدود، وهو الذي مَدَّ يده فنزع نقاب امرأة وقفت تخطب بين يديه، لأنه شعر بأن منطق العصر لا يقبل أن تُلقي المرأة خطبة وهي في حراسة النقاب
رابعاً - كان الجو في أيام سعد مشبَعاً بهواء ثقيل هو الدعوة إلى عزلة مصر عن الأقطار