على نحو آخر في أماكن أخرى في غياب الكون المنتشر - من الأمور الحتمية لا من المسائل الاحتمالية
وأود لو أطمئن إلى أن القارئ قد أدرك غايتنا على النحو الذي قصدناه، ففهم كيف يصبح الاحتمال أمراً حتمياً إذا لم نتعمد الوصول به إلى تعيين دقيق في الموضوع الذي يتناوله الاحتمال؛ ونعيد القول بأننا نستطيع أن نعرف العدد التقريبي لمن سيقضون نحبهم من سكان القاهرة في شهر سبتمبر القادم بمقارنته بشهور سبتمبر من السنين الماضية، وذلك بعمل امتداد رياضي لهذه المسألة البسيطة ولكننا لا نستطيع أن نكتب لوحة عليها أسماء الذين سيموتون. ومهما يكن من الأسباب فإنه من المحال أن يمر شهر سبتمبر القادم ولا يحدث في القاهرة هذا العدد المحتمل من الوفيات
كذلك لو وضعنا جراماً من الراديوم في صندوق متروك في المعمل، فإننا على ثقة بأنه ستخرج منه، بالتفتت الذري والإشعاع الذاتي، آلاف معينة من ملايين الحُبَيبات الراديومية في كل ثانية تمر من الزمن، وإننا على ثقة بتناقص هذا الجرام إلى نصف وزنه بعد مرور ألف وخمسمائة سنة، كما أننا نستطيع أن نعين مقدار ما يخرج يومياً من هذه الوحدات التي لا تعود بحال إلى جسمها الأصلي، ونعرف كيف يتغير هذا المقدار بعد ذلك العهد الطويل وبعد أن يكون قد فقد نصف وزنه أي نصف سكانه، ولكننا لا نستطيع أن نُعيِّن بالذات الوحدات التي شاء لها القدر أن تخرج اليوم من بين بلايين الوحدات التي يحتويها هذا الجرام
هذا الجرام من المادة المشعة يشبه في الواقع الألفي المليون نسمة الذين يسكنون الأرض. إننا واثقون بأن نصفهم سينقرض بعد نصف قرن مثلاً، ولكننا لا نستطيع أن نعين أسماء هؤلاء الذين يشاء لهم القدر أن ينقرضوا في النصف الأول من هذه الحقبة. كذلك الكون، كل شيء يدل على ضرورة وجود الحياة في بعض أنحائه المترامية، ولكننا لا نستطيع أن نعين الأمكنة أو الكواكب بالذات التي عليها الحياة، وعندي أن الذين يريدون أن ينكروا وجود الحياة بأية صورة في الكون المنتشر، الكون الذي عرَّفناه للقارئ وفق (إينشتاين) ووفق (دي ستير) الكون الذي له شكل كرة زائدة ذات حدود مختلفة في المكان والزمان، الكون الذي يكبر وينتفخ يوماً بعد يوم - لا يختلفون عن هؤلاء الذين يحاولون