للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إقناعنا بمرور شهر سبتمبر القادم دون حدوث وفاة شخص واحد في القاهرة. إننا نرد على هؤلاء بقولنا أننا واثقون بوفاة عدد كبير في الشهر القادم لا يمكن أن ينقص عن حد معين، وأننا في هذا ننتقل من مسألة احتماليه إلى مسألة حتمية. إننا واثقون من العدد التقريبي للذين سيفارقوننا، ولكننا عاجزون عن إدراك أسمائهم، ونحن في ذلك نتبع الطريقة ذاتها التي نثق فيها بوجود الحياة على كثير من الكواكب دون أن نعين هذه الكواكب بالذات بين حدوده الفسيحة

ولا تحسَبَّن إذن أنك قد تميزت بحياة تعتقد أنها الوحيدة في الوجود، وأن كل ماعداها موت في موت وجمود في جمود، ولا تعتقدن فيما تعتقد أنك الوحيد في الكون العظيم، تمرح على هذه الأرض بين أشجارها الفيحاء وورودها الجميلة، تتغذى من مملكة نباتية بديعة، وتستمتع بأخرى حيوانية رائعة. إن هذه الحياة لا يمكن أن تختص بها حبة الرمل الحقيرة التي نعيش عليها، وليس ما يمنع أن تتكرر عملية الحياة في غيرها من الحبات العديدة المتناثرة في الكون على هذه الصورة أو على غيرها

ولو خلت الأرض من الإنسان الفخور بذاته المعجب بذكائه لظلت الأشجار والورود والحيوان باقية ما بقيت الشمس؛ فهي تعيش عليها بقدر ما نعيش نحن، وتنعم بفعلها بقدر ما ننعم، وليس ما يمنع أن يكون حول الشموس الأخرى حياة كحياتنا أو تختلف عنها، بل إن كثرة هذه الشموس في الكون المغلق على نفسه تحتم وجود هذه الحياة

ولو أنك دخلت حديقة متسعة بدأ نضوج نوع من الفاكهة فيها، وليكن البرقوق مثلاً، فإنه من غير الممكن أن يكون قد نضج في اللحظة التي تتجول فيها برقوقة واحدة بين ملايين البرقوق الموجود على الشجر، بحيث لو عثرتَ على برقوقة ناضجة فإننا واثقون أنك إذا تجولت كثيراً وجدت غيرها من البرقوق الناضج، ولو أنك بادرتني بقولك إنك وجدت برقوقة واحدة ناضجة لم تجد غيرها فإنني لا أميل إلى تصديقك، أو أعتقد أن حديقتك صغيرة، وأنها لا تحوي سوى بضع شجرات من البرقوق، ولو أنك بادرتني أنك على العكس تمتلك حديقة فسيحة الأرجاء متسعة بحيث لا تكفي أيام عديدة للتجول في أنحائها المختلفة، فإنني واثق إذن أن هذا النضوج قد حدث في أماكن عديدة، وأنك حتما ستعثر على كثير من البرقوق الناضج كلما تجولت في الحديقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>