البراعة وانهم لقليلين يستطيع أن يقنعني كما أقنعتني الآنسة أمس بان ليس للرجل على الحضارة فضل، كما أنه ليس للمرأة على الحضارة فضل، وإنما الفضل للحضارة عليهما جميعاً. أنبأتنا الآنسة أمس بان المرأة وحدها هي التي أنشأت الحضارة إنشاء وأعانتها على التطور والرقي، وابتكرت ما يزينها من العلوم والفنون والآداب، فأما أن المرأة أنشأت الحضارة إنشاء فشئ فيما يظهر لا سبيل إلى الشك فيه، لان كتب الدين كلها تنبئنا به، فلولا أن حواء أغواها الشيطان فأكلت من الشجرة، وعضت تلك التفاحة لما طرد آدم وزوجه من الجنة، ولولا انهما طردا من الجنة لما هبطا إلى الأرض، ولولا أنهما هبطا إلى الأرض لما عملا فيها، ولولا أنهما عملا فيها لما كانت الحضارة، وإذن فالحضارة أثر من آثار حواء، لأن حواء هي التي أكلت من الشجرة، وهي التي جرت على نفسها وعلى زوجها هذه العقوبة، وإذن فنحن الرجال ننعم بالحضارة راغمين، ننعم بها لأن خطيئة أمنا حواء قد أكرهتنا عليها إكراها، ولكن حواء لم تأكل من الشجرة لأنها اشتهت ما كانت تحمل الشجرة من التفاح، وإنما أكلت من الشجرة لان الشيطان هو الذي دلها على الشجرة، وزين لها التفاحة، وحببها إلى قلبها ودفعها إلى أن تأكلها دفعاً، والغريب أن حواء لم تأكل من الشجرة وحدها، وإنما أكل معها زوجها، وأكبر الظن انهما اقتسما التفاحة نصفين، فذهب كل منها بأحد شطريها، فالحضارة إذن ليست أثراً من آثار حواء وحدها، وإنما هي أثر من آثار حواء وآدم أيضاً، وإذن فلنا نصف الحضارة وللنساء نصفها، ولكن النساء لا يكرهن الظلم ولا يأبين التجنى، وأعظم من هذا أن أبانا آدم وأمنا حواء إنما دفعهما الشيطان إلى هذه التفاحة، فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ثم طردا منها طرداً، فليست الحضارة إذن من آثارهما.، إنما هي اثر من علم الشيطان، والشيطان رجيم، فلترجم معه الحضارة
وليت شعري أمما تتمدح به المرأة، أنها قد أنشأت الحضارة على هذا النحو، وأقامت بناءها الشاهق على الخطيئة، وبدأتها هذا الابتداء السيء الذي هو إعراض عن أمر الله، وإقبال على أمر الشيطان، أليس من حقنا نحن الرجال أن نلوم المرأة، ونغرق في لومها لأنها لم تستطع أن تقاوم الشيطان ولأنها دفعتنا إلى هذه الحضارة الآثمة دفعاً؟ ومن يدري لو أن أمنا حواء لم تقترف هذا الإثم، ولم تتورط في هذه الخطيئة، ولم تفتتن بحديث الشيطان،