للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولم تتهالك على طعم التفاحة وريحها ولونها أيضاً، من يدري لعلها لو لم تفعل شيئاً من ذلك لنشأنا نشأة أخرى

ولعل هذه النشأة الأخرى أن تقيم لنا حضارة اطهر من حضارتنا هذه وأنقى وأشد امتناعاً على الآثام وبعدا عن السيئات، بل ليس من شك في أن أمنا حواء لو أطاعت أمر الله، وعصت أمر الشيطان لعصمتنا من الشر، وبرأتنا من النكر، وحمتنا من كل ما نتعرض له من ألوان الغي والبغي والضلال والفساد، فلم تحسن أمنا إلينا إذن بإنشاء الحضارة، ومتى كانت إطاعة الشيطان إحسانا؟

ولكننا نحن الرجال نحب العدل ونكلف بالرحمة. ونكره الطغيان، ولا نريد أن تستقل المرأة بوزر هذه الحضارة، وتحتمل وحدها آثامها واثقالها، فنحن نشاركها في هذه الآثام والأثقال، لأننا نعترف بان أمنا لم تأكل التفاحة وحدها، ولو قد أكلتها وحدها لطردت من الجنة وحدها، ولو قد هبطت إلى الأرض وحدها لما استطاعت أن تعمل ولا أن تجد، ولا أن تنشئ حضارة ولا أن تعيش، فهي محتاجة إلى الرجل لتحسن، وهي محتاجة إلى الرجل لتسيء، لم تعش في الجنة وحدها قبل الخطيئة، ولم تهبط إلى الأرض وحدها بعد الخطيئة، وإنما عاشت في الجنة مع الرجل، وهبطت إلى الأرض مع الرجل، أطاعت أمر الله مع الرجل، وأطاعت الشيطان مع الرجل، وأكلت التفاحة فهوت مع الرجل، ونحن الرجال اكرم مما تظن الآنسة مي، واحب للرحمة واحرص على العدل. فنحن لا نحمل أمنا حواء شيئاً من الأثم، وانما نحمل هذا الإثم كله أبانا آدم، ولا بأس عليه من ذلك فقد تلقى من ربه كلمات بعد ذلك فتاب عليه، ذلك أن حواء لم تخلق من الطين مباشرة كما خلق آدم، وإنما خلقت من آدم، فآدم هو الذي سبقها إلى الوجود، وهو الذي سبقها إلى الحياة، وإذا كانت قد خلفت منه، فقد اخفت عنه هذا الضعف الذي حبب إليها التفاحة، ودفعها إلى الخطيئة، ثم إلى إنشاء الحضارة، فما في طبيعتها من الضعف مستمد من الرجل، وما في طبيعتها من القوة مستمد من الرجل، وإذن فليست هي التي تحتمل وزر التفاحة، وما نشأ عنه من الآثار، وإنما يحتمله آدم، ثم يحتمله بعده أبناؤه من الرجال، أرأيت يا آنسة أننا اكرم مما تظنين، واحرص على العدل مما تظنين؟ ليست الحضارة خيرا، وإنما هي شر لأنها من عمل الشيطان، فنحن نرفع عن النساء أثقالها، ونحمل عن النساء أوزارها، وأي شيء

<<  <  ج:
ص:  >  >>